شعار قسم مدونات

الغرب الليبي وأزمة سيطرة الميليشيات

blogs غرب ليبيا

تحدثنا كثيرا وانتقدنا الشرق الليبي وقوات قائد الجيش التابع للبرلمان المشير خليفة حفتر وما تقوم به هذه المجموعات من انتهاكات واسعة يصل بعضها إلى جرائم حرب، ما وضع هذه القوات التي تحاول تقديم نفسها للداخل والخارج كمؤسسة عسكرية مكتملة الأركان في موقف حرج.

وبالنظر للغرب الليبي وما تقوم به بعض المجموعات المسلحة هناك والتي يحمل أغلبها صفة شرعية وتبعية لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، نجد أن الأزمة قائمة هناك أيضا مع فارق التشبيه، فنفس هذه المجموعات تقوم بعمليات خطف واعتقال واغتصاب خارج إطار القانون وهو ما يضعها تحت الإدانة أيضا مثل قوات حفتر.

من المؤكد أن لغة التعميم لغة ظالمة، لكن وقوع مثل هذه الحوادث وتكرارها يجعل الميزان هناك مقلوبا، ويحرم هذه المجموعات من حق انتقاد وهجوم متواصل على قوات الشرق، فالممارسات من الطرفين مرفوضة قانونا وشرعا وعرفا.

خطف

رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان (رويترز)
رئيس الوزراء الليبي السابق علي زيدان (رويترز)

مؤخرا تعرض رئيس الوزراء السابق علي زيدان إلى عملية اعتقال خلال تواجده في العاصمة طرابلس على يد مجموعة مسلحة (لم يعلن عن هويتها حتى الآن)، مع توجيه الاتهام إلى كتيبة ثوار طرابلس وقائدها المسيطر هيثم التاجوري والتابعة رسميا لحكومة الوفاق، إلا أن الأخير رفض الاتهام.

وبعيدا عن سر ظهور زيدان الآن في المشهد أو محاولته تملق الحكومة أو مسلحين دعمهم خلال رئاسته للحكومة، إلا أن القبض عليه دون مبرر يعد انتهاكا واضحا، خاصة أن مذكرة منعه من السفر وتوقيفه الصادرة من النائب العام في مارس 2014 تم إلغائها بعد ذلك (بحسب محامين تم التواصل معه ومنهم وزير العدل في حكومة زيدان السيد صلاح المرغني).

والغريب في الأمر صمت حكومة الوفاق على هذه الممارسات والذي يعد موافقة ضمنية عليها، فهي مثلا لم تعلق على موضوع اعتقال زيدان فور انتشار الخبر ولم تكشف عن مكانه، واكتفى بعض أعضائها بأنهم "لا يعرفون بزيارة زيدان أصلا إلى طرابلس". وبحسب البعض ربما يستحق زيدان التوقيف قانونيا، لكن الطريقة غير لائقة وتحتاج إلى مسوغات قانونية لإقناعنا بها.

وليست هذه هي العملية الوحيدة، فقد تعرض 7 عاملين في بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا للخطف على يد مجموعة مسلحة بالقرب من مدينة الزاوية (غرب طرابلس)، وكذلك خطف مسؤول مصلحة الأحوال المدنية. وما تسبب في إحراج القوات في الغرب الليبي على اختلاف توجهاتها وأيدلوجيتها ومناطقها، ما انتشر من مقاطع فيديو تظهر أحد هؤلاء العسكريين بمحاولة اغتصاب امرأة وإجبارها على الاعتراف ببعض الأمور، وهو ما أثار الرأي العام الداخلي والخارجي وردود فعل غاضبة على الحادثة.

أعلم أن الصورة ليست قاتمة جدا هناك، وأن أغلب هذه التصرفات فردية، لكن وقوع هذه الممارسات يضع هذه القوات "الرسمية" في حالة حرج أيضا ولا يعفيها من المسؤولية والتحقيق مع مرتكبي هذه الجرائم، إذا أرادت هذه القوى إقناعنا بأنها مؤسسات رسمية يمكن الاعتماد عليها في تأمين المواطن وتحقيق سلامته.

إن ليبيا الدولة وشعبها العريق يستحقون جيشا وطنيا غيورا يحمي المواطن وحقوقه وخيراته وليست مجموعات مسلحة تسترزق على معاناته

والمتابع الجيد للمشهد في الغرب الليبي، يتأكد تماما من سيطرة هذه الميليشيات على القرار السياسي هناك، وربما يحاول السيد فائز السراج ومجلسه الرئاسي وحكومته إظهار غير ذلك، خاصة بعد قراره الشجاع الأخير بالتحقيق مع أي عسكري يخالف القوانين والأعراف العسكرية ويتصرف بدون إذن منه كونه يحمل صفة القائد الأعلى للجيش الليبي، حسبما ينص الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية ديسمبر 2015.

ومثلما وجهنا سؤالنا لقوات حفتر بأنه إلى متى ستستمر هذه الخروقات والانتهاكات والبلطجة العسكرية؟ نتوجه بنفس السؤال إلى الغرب الليبي.. وننتظر الإجابة عمليا بتقديم الجناة إلى التحقيق وتطهير صفوف المؤسسة العسكرية والشرطية ممن يشوهون صورتها ويعطون لآخرين مبررا لانتقادها ومقارنتها بمجموعات لا يعترف بها أصلا.

كل هذا لا يعني أن الغرب الليبي يعج بالميليشيات والفوضى.. بالعكس تماما هناك مجموعات مسلحة استطاعت تأمين مدنها ومحاربة التنظيمات الإرهابية ما يجعلنا نرفع لها القبعة احتراما وتقديرا وعلى رأسها قوات "البنيان المرصوص" الشجاعة، وما يماثلها من مجموعات تحمل صفة شرعية. وأيا ما يكون المشهد العسكري غربا أو شرقا أو جنوبا.. فليبيا الدولة وشعبها العريق يستحقون جيشا وطنيا غيورا يحمي المواطن وحقوقه وخيراته وليست مجموعات مسلحة تسترزق على معاناته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.