شعار قسم مدونات

في خيام الشقا

Blog refugee
أيها الزائرين الكرام، قفوا واخلوا نعليكم خارج الخيام، وقبل الحديث معهم ألقوا عليهم السلام، تكلّموا مع المستيقظين واتركوا النيام، نعم ذروهم غارقون في الأحلام. ففي الخيام تتسابق الذكريات، لأيام سلفت كانوا فيها بالعيش مُنعمون، إنهم يشتاقون للبيوت التي تراقصت ضحكاتهم بين جدرانها، فهي في مرأى أعينهم الجنة ونعيمها حتى وإن كانت ضيّقة ونصفها مُدمّر، يكفيهم منها الطمأنينة والسكينة التي لطالما غشيتهم وهم تحت أسقفها.

      

لذا اجعلوا للحديث معنى في الخيام، لا تحدّثونهم عن الدكاكين والحارات التي قضوا من عمرهم فيها، تحدّثوا معهم عن لذة الصبر والسلوان، ازرعوا في داخلهم حب الحديث مع الله، في تهجّداتهم وسجداتهم الطويلة التي لا يمكن أن يقطعها صوت إطلاق رصاص في ساعات الليل المتأخرة. قلوبهم مدناً معمورة بالصبر، إنها تؤمن بعدالة هذه الحياة وإنصافها للناس حتى ولو بعد حين، لذلك ابتعدوا عن إيذائها بتلاوة ترتيلات اليأس على مسامعهم، ولا تجعلونهم يضحكون من جهلكم، إنهم عاقلون للحد الذي يجعلهم يسخرون ممن يحاول إحباطهم.

      

حين مغادرتكم لخيامهم المُتَّكأه على جدار صبر وحدهم أنشأوه، فتّشوا الخيام فتّشوها، لربما سقطت فيها ليرة من جيوبكم سهواً، إنكم بحاجة لجميع أموالكم التي وهبكم الله سعة فيها!

إنكم الزوّار وهم المقيمون، فاعلموا يقيناً بأن السبيل لإرضائهم ليس بإعطائهم "ليرة" تثبت لهم سعة رزقكم، ولكن بإعطائهم فرصة التعبير عمّا يجول بداخلهم، وجعلهم يشعرون بأن حكاياتهم بصمة على جبين الدهر، وبأنكم تشعرون بهم، حتى وإن كنتم شاردون بالتفكير في مسؤولياتكم.  فما دمتم في خيامهم جالسين، عليكم ألا تسرقوا بسماتهم الهادئة، إنهم يحكون بها حكايات السنين، يتحدّثون بها كل يوم مع اشقّائهم في الخيام، ويتبادلون الخبرات والآراء، كي يخرجوا من الخيام ذات ليل وعقولهم مُشبّعه بالوعي، ونشعر بأننا صغار في حضرة أطفالهم مِن ذكاء يملكوه، وعقل في سبيل الخير يستغلّوه.

      

كمية الغبار الذي تبصرونه في وجوه أطفالهم يروي قصة يوسفيّه، تكثر فيها الرؤى التي لا تكاد تنتهي حتى تضع هذه الحروب أوزارها وتستريح. لا يغرنّكم بؤس بعضهم، إنهم أمامكم يتظاهرون، ولكنهم في الأمل غارقون، فهم بربهم وبقدرته مؤمنون، ويقيناً يعلمون بأن أيامهم في الخيام معدودات إنهم مثلكم زائرين بل فيها مقيمين، لذا تمتّعوا بالنظر في وجوههم البريئة، علَّ فيكم مَن يحسُّ بما هم يحسّون. 

         

أما حين مغادرتكم لخيامهم المُتَّكأه على جدار صبر وحدهم أنشأوه، فتّشوا الخيام فتّشوها، لربما سقطت فيها ليرة من جيوبكم سهواً، إنكم بحاجة لجميع أموالكم التي وهبكم الله سعة فيها، ولا تنسوا أن تلقوا السلام على شعب الخيام قبل أن تغادروها، وإن نسيتم فوحدهم سيلقونه ولكن على عروبة أنتم بها تتباهون وتتفاخرون، دون أن تثبتوا صدق كلامكم أمام هذا العالم الذي لا يستحي أن يضع الأبرياء في الخيام سنين مديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.