شعار قسم مدونات

توماس هوبز الفيلسوف الملكي

مدونات - توماس هوبز

توماس هوبز فيلسوف إنجليزي ولد عام 1588م. اشتهر بميدان فلسفة القانون والسياسة، وامتاز بمادية صرفة، حيث تصور أن كل شيء هو من أصل مادي، بما في ذلك أحاسيسنا التي تعود في أصلها برأيه إلى ذرات الجسم أو الجزء القائم على هذا الإحساس، وحينما تتحرك تلك الذرات ينشأ عن حركتها إحساسنا بشيء ما، وعن طريق هذه الحركة بين الدماغ والقلب لتلك الذرات ينعكس ذاك الإحساس على مظهرنا الخارجي. وبالتالي خلص هوبز إلى أن كل شيء هو في الأصل مادة وينشأ عن مادة.

وعلى هذا النحو المادي الصارم يواصل هوبز فلسفته في أنثروبولوجيا النوع الإنساني ليصل إلى نتائج ساقته إليها تلك المقدمات المادية التي دشن بها تأملاته النظرية. فقد رأى هوبز أن الإنسان مطبوع على حب الذات والأنانية نتيجة فساد تكويني طبيعي فيه، ولذلك فأفعاله مدفوعة بمصلحته الشخصية، وبالتالي فالإنسان يميل نحو حياة الأنانية، وليس الاجتماع، لأنه في طبعة شرير ومتوحش، أي أنه مطبوع على (شر جذري) بحسب توصيف كانط للحالة الطبيعية للإنسان.

العقل لدى هوبز ليس مقوداً بمقولات السلام، بل بمنطق يفضي إلى ضرورة السلام، أي ضرورة الخروج من حال الطبيعة، والكف عن السلوك المتوحش، للارتقاء إلى سلوك إنساني مدني.

ويواصل هوبز هذه المقدمات إلى نقطة إنكار فكرة الاجتماع الإنساني، فالإنسان ليس كائناً اجتماعياً بطبعه، وفكرة الاجتماع الإنساني لديه هي مدعاة للتقابل البشري العنيف، وبالتالي ليست أنثروبولوجيا النوع الإنساني سوى حرب الكل ضد الكل، وهو الأمر الذي لخّصه هوبز في عبارته الشهيرة "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". فليس الاجتماع والتعاون بين الناس هما الأصل الوجودي للعالم المعيش، بل الحالة الطبيعية بما هي طرف النقيض للحياة المدنية، هي الأساس الوجودي للإنسانية..

وحال الطبيعة لدى هوبز تعني الحياة بمقتضى غريزة حب الذات، والسلوك المتوحش، ومن ثمّ من المستحيل إيجاد قاعدة أخلاقية عامة للسلوك الإنساني، فالقوة لا الأخلاق، وحال الطبيعة لا حال المدنية، هما من يحملان الإنسان نحو تحقيق رغباته الشخصية ضمن فضاءات سلوك حيواني أقرب ما يكون إلى صراع الغاب، وبالتالي فصيحة بوذا: "ما زال العالم مقيداً لأنه لم يتخلّ عن كلمة أنا" يمكن لها أن تأخذ المعنى الذي أراده هوبز في فلسفته. ويستشهد هوبز في إثبات صحة مذهبه في أنانية النفس البشرية، وفساد سلوكها، إلى تاريخ البرابرة أو الأباطرة والحروب الدموية، والدسائس الاجتماعية والسياسية التي يسلكها الإنسان على الصعيد الفردي، أو الدول على الصعيد السياسي بغية تحقيق أهداف مروجة.

ولكن العقل لا الغريزة كان لا بدّ له أن يتدخل في نهاية الأمر لإنهاء هذه الفوضى، وحالة الصراع بين البشر، والعقل لدى هوبز ليس مقوداً بمقولات السلام، بل بمنطق يفضي إلى ضرورة السلام، أي ضرورة الخروج من حال الطبيعة، والكف عن السلوك المتوحش، للارتقاء إلى سلوك إنساني مدني متحضر، ولكن لتحقيق أهداف عملية هذا الانتقال، ولتخليص الإنسان من نوازع الشر فيه، كان لا بد من موافقة هذا الإنسان على أن يخضع لسلطة قانونية مطلقة، ممّا يعني عملية تفويض جماعي يقوم بها الناس، يعترفون من خلالها بالتنازل عن حريتهم أو حقهم الطبيعي في الحكم السياسي..

العقد الاجتماعي - السياسي هو نواة النظام الملكي لدى هوبز، وهو عقد من طرف واحد هو الشعب، دون أن يكون الحاكم طرفاً فيه
العقد الاجتماعي – السياسي هو نواة النظام الملكي لدى هوبز، وهو عقد من طرف واحد هو الشعب، دون أن يكون الحاكم طرفاً فيه

وبعد عملية التفويض هذه أو المبايعة، ينخرط كل فرد في مجتمع مدني مقود بسلطة عليا تقوم على إدارة شؤون الدولة، ولتحقيق هذا الهدف يتوسل هوبز بفكرة العقد الاجتماعي – السياسي، ووفقاً للتقسيم الكلاسيكي، ثمّة ثلاث أشكال للدولة: الملكية، والارستقراطية، والجمهورية، ولأن التصور الشائع آنذاك عن النظام الملكي هو حكم الفرد الواحد بسلطات مطلقة، نتيجة تماهي السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) في شخص الملك، رأى هوبز الذي عاش تحت حكم ما يعرف اليوم بالمملكة البريطانية، أن النظام الملكي هو أفضل النظم السياسية القادرة على تخليص البشر من حال الطبيعة والفوضى واللاقانون، بالخضوع التام لسلطة مطلقة تفرض سلطاتها المدنية على الشعب تحت نير قوة القانون. يكفي هنا الإشارة إلى كتابه "اللفيثان" وهو تعبير عن كائن خرافي برأس تنين يرمز به هوبز إلى ما يجب أن تكون عليه سلطة الدولة في تطبيق القانون، لتخليص الإنسان من حالة الشر والأنانية الموشم بها.

وختاماً يخلص توماس هوبز إلى أن القانون المتمثل بالنظام الملكي، هو وحده القادر على إنهاء حالة الصراع بين أفراد المجتمع، من خلال خضوع الكل تحت حكم شخص واحد، وحالة الخضوع هذه تعني تخلّي الجميع عن حريتهم وتفويض أمر الحكم لنظام سياسي ماثل في شخص واحد هو الملك، ومهمته الدستورية تطبيق القانون لإنهاء حالة التنافر والاقتتال بين البشر، بغية العيش في دولة المجتمع المدني تحت سلطة القانون.

وبالتالي فالعقد الاجتماعي – السياسي هو نواة النظام الملكي لدى هوبز، وهو عقد من طرف واحد هو الشعب، دون أن يكون الحاكم طرفاً فيه، بل هو مجرد فرد تصار إليه عملية التفويض، ليقوم بمهام إدارية لشؤون الدولة، كالفصل بين المنازعات، وصياغة القوانين والإشراف على تطبيقها، ومثل هذا الأمر لا يمكن تحقيقه، بحسب هوبز، إلا من خلال النظام الملكي، حيث يقدم نظام كهذا مصلحة عامة في تخليص الإنسان من حالة الطبيعة البدائية، والعيش بمقتضى شروط الحياة المدنية تحت سلطة القانون؛ أي العيش بسلام عام يضمنه القانون الملكي وحده، لا أهواء ورغبات أفراد المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.