شعار قسم مدونات

المتسلقون على أسوار الأقصى

Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz Al-Saud looks on during the meeting with China's President Xi Jinping (not pictured) at the Great Hall of the People in Beijing, China March 16, 2017. REUTERS/Lintao Zhang/POOL
في الثالث عشر من شهر تموز الحالي، و‫لأول مرة منذ ربع قرن منع الاحتلال الصهيوني الغاشم تأدية صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، وأغلق أبوابه في وجه المصلين، وأعلن المسجد الأقصى والبلدة القديمة منطقة عسكرية، واعتدى على حراس المسجد وصادر هواتفهم، وأخرج المصلين من الأقصى وأغلق كافة أبوابه، وأحكم سيطرته على المسجد كاملا.
كان هذا الحدث مفصليا في تاريخ الأمة، وله خطورته وأبعاده، ولأن حكامنا البررة يدركون أبعاد هذه الخطوة، ويفقهون مآلاتها، فإنهم ومنذ ذلك الحين يرعدون ويبرقون، ويزمجرون ويحشدون، بل أجمعوا أمرهم وشركاءهم، وحشدوا عدتهم وعتادهم، وواصلوا الليل بالنهار، وقطعوا الفيافي والقفار، ولم يهدأ لهم بال، ولم يقر لهم قرار، حتى أعلنوا في الملأ أنهم إلى القدس سائرون، وللمسجد الأقصى فاتحون. فلما سمعت إسرائيل بحشدهم ومكرهم، أرسلت إليهم، وأعدت لكل واحد منهم متكأ، وحاولت تبرير فعلها المشؤوم، وموقفها الملعون؛ لكن إصرار الحكام على أمرهم جعل إسرائيل تقف عند حدها، وتعدل عن قرارها، فلا مفر لها ولا مهرب من غضب حكام العرب، فهم الذين إذا غضبوا؛ غضبوا غضبة رجل واحد لأنهم من سلالة بني تميم الذين قال عنهم جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم ..
حسبت الناس كلهم غضابا..

لم ينصر الأقصى أيها الأدعياء إلا دماء الشهداء الثلاثة
لم ينصر الأقصى أيها الأدعياء إلا دماء الشهداء الثلاثة "محمد جبارين"  ومحمد لافي ومحمد جبريل ومحمد التنح ومحمد أبو غنام ومحمد شرف.

فسيسي مصر لم ينم من يوم أن طرد اليهود المقدسيين من المسجد الأقصى، وملك الأردن لم يضحك قط لما سمع بما حدث، وخادم الحرمين هجر أرضه وفراشه، وحرمه وعياله، وولى وجهه شطر المغرب العربي لتأليب القبائل العربية لنصرة فلسطين، وهدد أميركا بقطع المعونة إن وقفت مع الصهاينة، أما عباس فباتصال واحد أنهى كل هذا المكر الصهيوني وأوقف كل مؤامراتهم، والقائمة تطول.

لا شك أخي القارئ أنك مللت من كل هذا التملق، وربما أصبت بالغثيان إن لم يكن ذرعك القيء، لكني مضطر أن أصور لك حجم النفاق الذي تشدقت به أفواه لاعقي أحذية الطغاة، وحاملي مباخر الاستبداد، ومكانس البسط والدواوين السلطوية، منذ أعلن الكيان الصهيوني إزالة كافة الاستحداثات عن المسجد الأقصى يوم الخميس الماضي.

مسيرتكم الغاضبة أشد رهبة في صدورهم من مؤتمرات حقوق الإنسان التي ما فتئت تعطي الضوء الأخضر لمخططاتهم، وكما انتصرتم في الجولة الأولى ستنتصرون في الجولات القادمة.

أيها الطغاة وأنصار الطغاة وعملاء الطغاة، يا دعاة الاستبداد وعلماء الدواوين والقصور، رويدكم فالقدس لم ينصرها غباؤكم ولا استغباؤكم، ولا حكامكم ولا علماؤكم، فأنتم رأس كل بلية وأساس كل رزية، أنتم السبب فيما حل ويحل بالأمة، بل أنتم رأس الحربة في هذه المعركة، ولعل صفقة القرن إحدى سوءاتكم التي من محاسنها إغلاق المسجد الأقصى وتشديد الحصار على غزة، ثم منذ متى أنتم تنصرون قضايا الأمة، بل لعل الأصوب منذ متى لم تقفوا ضد إرادة الأمة، ومتى توقفتم عن التحريض والتشريد والتنكيل بدعاة الحرية ومناهضي الاحتلال والاستبداد، فدماؤكم لم تجف بعد، وحرائقكم التي أشعلتموها هنا وهناك مازالت مشتعلة، فأف لكم ولما تدعون إليه وتدعونه.

لم ينصر الأقصى أيها الأدعياء إلا دماء الشهداء الثلاثة "محمد جبارين" ومحمد لافي ومحمد جبريل ومحمد التنح ومحمد أبو غنام ومحمد شرف. لم ينصر الأقصى إلا ثبات المرابطين وإصرار المرابطات وهدير أصوات الثائرين والثائرات، لم ينصر الأقصى إلا شجاعة الصغار وعزيمة الكبار، الذين يصدق عليهم قول الشهيد الزبيري:
يوم من الدهر لم تصنع أشعته..
شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا..

فلله دركم ما أروعكم وأنتم تذودون عن مقدساتكم، وتسهرون على عتبات المسجد الأقصى مرابطين صابرين ثابتين، وتلقنون المحتل درسا قاسيا في العزيمة والإصرار والثبات، فهدير أصواتكم أشد عليهم من سلاح حكامنا الذي تربطه علاقة حميمة بالكيان الغاصب، ومسيرتكم الغاضبة أشد رهبة في صدورهم من مؤتمرات حقوق الإنسان التي ما فتئت تعطي الضوء الأخضر لمخططاتهم، وكما انتصرتم في الجولة الأولى ستنتصرون في الجولات القادمة، ولن يستطيع العدو كسر إرادتكم ولا سلب فرحتكم.

أما حكامنا فليس هم من قال الله فيهم: "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ". بل هم أشد منهم وأنكى فأولئك ينتظرون وهؤلاء يمكرون، أولئك يأملون وهؤلاء يأملون ويعملون "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.