شعار قسم مدونات

صراع الحداثة والتقليد في ليبيا تحسمه العقول المقفلة

blogs - شباب ليبي
الحداثة وريثة النهضة وهي مخالفة تماما للثقافة التقليدية التي ترتبط بأفكار الماضي دون بذل مجهود في تفسيرها وتطويرها وإعادة رسمها، بينما تأتي الحداثة باستخدام العقل والمادة التي عادة ما ينتج عنه بلورة المقدرات المتوفرة للقيام بعملية التغيير هذه في ضوء المعرفة.

 

وعملية تحول النظم التقليدية أو شبه التقليدية، وتغييرهما إلى أنماط تكنولوجية مرغوبة يصاحبها تجديد البناء الاجتماعي والقيم والدوافع وهو الذي لا يقبله عادة الجزء الأكبر من المجتمع وخاصة في الدول النامية ومنها ليبيا وبات اليوم صراعا واضح المعالم بين الشباب الليبيين من فئة النشطاء في المجتمع والذين أصبح دورهم مؤثرا وهم أساس استحداث الثقافة الليبية بأبعادها، وبين فئة أخرى جزء منها له مراجع دينية ينطلق منها لرفض ما يراه دخيلا على المجتمع، وجزء متعصب عن ضعف حجة ويرمي بالأسباب على الثقافة الدخيلة فقط لاعتبارها وفق ما يرونه تعبر عن مجتمعات غربية، ويرتبط هنا الأمر بهواجس الانفتاح المفرط والحرية المطلقة، وهي ما لا يستطيع أن يتأقلم مع المجتمع الليبي نتيجة مخلفات الفكر القومي الذي لم ينكف طوال 4 عقود الحديث عن المؤامرات والدسائس وإبادة الشعوب لبعضها.
في مطلع سبتمبر 2017 وعقب ضجة أثارها كتاب يحمل اسم شمس على نوافذ مغلقة قام مسلحون في طرابلس العاصمة الليبية بإغلاق أحد أبرز محاريب الثقافة في ليبيا "دار الفقي حسن" التي كانت ملجأ المثقفين والنشطاء للإبتعاد عن فوضى التخلف والصراع الذي استمر 7 سنوات وتواصلت معه نشاطات الشباب الليبيين الذين كانوا يجتمعون به وفق هوايتهم وفعاليتهم التي ترتبط بالعقل والعمل فكان بيت الفن والأدب والشعر وايضا دار تجمع الحقوقيين الليبيين الذين نجحوا ولو نسبيا في تحقيق ما فشل في تحقيقه أصحاب السلطة .

تعد كافة محاولات مجابهة الحداثة والتطور، مقاومة بائسة لن تطول أمام التقدم الذي يحققه العالم كل يوم، خاصة وأن العقل المقيد بضوابط التقاليد لا يعي أن نجاح التنمية تتحقق بثقافة المجتمع في كافة جوانب الحياة

فالثقافة في ليبيا وخاصة عقب ثورة فبراير 2011 تطورت و اكتسبت حداثتها من خلال التجربة وليس التعليم تحديدا في الطفرات الشبابية في المجتمع عملت على تحقيق تراكم ثقافي مستحدث يناقض الثقافة التي لم تكون موجودة بذاك القدر نتيجة ممارسات نظام الحكم الشمولي الذي لم يدعم منها سوى الموروث الذي بات مملا ولا يرتبط سوى بالفن بعيدا عن جانب التطوير المجتمعي.

ولعل ظاهرة التغيير والاستحداث الثقافي أصبحت واضحة المعالم في طرابلس تحديدا وهي من الظواهر التي اعتمدت على تحركاتها الخارجية أي أنها تأثرت بالخارج، وقد فتحت آلية الاستيراد الثقافي الباب أمام وسائل الانتشار التي ارتبطت بالتطور التكنولوجي والبحث عن الحلول ومحاولة التغيير خاصة في الفترة التي يعاني الشباب الليبي فيها من البطالة نتيجة تردي الوضع الاقتصادي ومحاولتهم الإبداع الثقافي وتركيز قواهم على وضع بصمة وهنا يبدو أن البصمة كانت مؤثرة في العقول المرتبطة بالقبيلة و التقاليد التي يقدسها المجتمع أحيانا أكثر من الدين ذاته و أصبح التغيير و الإستحداث أمر مرفوض بالنسبة لهم دون أن يتساءلوا يرفضون فقط للرفض لا أكثر فالمنطق والتفكير لا يستهويهم يحسموا مواقفهم بالقوة عادة كما حدث مع دار الفقي حسن.

لكن تحدي الحداثة أظهر قوة أكبر مستغلا بذلك التطور التكنولوجي في التعبير عن رأيه وسرعان ما أصبح هاشتاق "لا لقفل دار الفقي حسن" ترند على موقع التواصل تويتر، وكتب أحد النشطاء عبر الهاشتاق: "اليوم الثقافة أقفلت أبوابها الفعلية في طرابلس ولكن أبوابها الرقمية ستبقى دائماً مفتوحة". ونشر ناشط آخر صورة للباب الرئيسي لدار الفقي مغلق وكتب: "أعداء الحضارة والثقافة والفن أعداء الحياة وأعداء الحرية وانتهاك آخر يسجل في حق الشعب الليبي".

وهنا تعد كافة محاولات مجابهة الحداثة والتطور، مقاومة بائسة لن تطول أمام التقدم الذي يحققه العالم كل يوم، خاصة وأن العقل المقيد بضوابط التقاليد لا يعي أن نجاح التنمية تتحقق بثقافة المجتمع في كافة جوانب الحياة، ويضعون هواجس غير منطقية لتفسير أفعالهم المبنية على التعصب والتطاول على حريات الآخرين، فاليوم نحن أين وأين من هم منا مما يحققه العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.