من ذاق العربية وهوَ عالمٌ فإنها تزيدُهُ في العلمِ درجات هيَ منارةُ العلوم والمعارف، وساحةُ التغنّي والتآلف وبيتُ الأديب العارف، وأمّ الوليدِ الخائف |
بالتالي استكبرت الثقافة الغربية في شرقنا الأوسط وأُربكت الثقافة الوطنية وأُشغِلت بِهمومٍ وَمُبهماتٍ من الأُمور وتأخرت عن مواكبةِ التسارُع العالمي مما صبّ في مصلحةِ الثقافة الغربية. والتاريخُ يُسطّرُ ويَعظُنا إن كنّا موقنين. ففي عامِ 1928 حرصَ أتاتورك على تبني اللغة التركيّة بدلاً من العربية، وتعميمها على المدارس والجامعات ودورِ العلم، وما عادَ يُعترفُ بالعربية بتاتاً وهنا كانت الطامّة لمُفكري ومُثقفي البلاد أصحابِ العلم الواسع والنفوذ الكبيرة، وجدوا أنفسهم فجأة من عُنصرٍ خام إلى أطفال عليهم دخول الابتدائية لتعلم اللغة ونطقها.
هذا ما يحدث الآن، العربية تُهدم ويُنكّل بها ونحن الجناة، ها هيَ أبلغُ لغاتِ الأرض يُرمى بها مرمى الماضي المتخلّفِ الضعيف، أمام بصرِنا الكفيف الذي لم يرَ أبداً أنها من فسرت لنا كونَ الله من أرضهِ لسمائهِ، فكيفَ تضيقُ اليوم عن تنسيقِ أسماءٍ لِمُخترعاتِ ! ومن ذاقَ حلاوةَ العربية ذابَ في فيضِ عسلِها وشعرَ بوزنِ بلاغةِ أحرُفِها تتلاطمُ في رأسهِ مُفسدةً راحته.
فمن ذاقها وهوَ عالمٌ فإنها تزيدُهُ في العلمِ درجات هيَ منارةُ العلوم والمعارف، وساحةُ التغنّي والتآلف وبيتُ الأديب العارف، وأمّ الوليدِ الخائف. أجزمُ أنها فيضٌ من جمال تنعقدُ الألسِنَةُ عن وصفِها وأما عن المُنسلِخِ عقلُه المُتحجّرِ قلبُه من يلهثُ وراءَ الغربية حتى في جحرِ ضبِها صار عزاؤهُ دمجُ كلمتين في كُلِّ سطرّ عربيْ لشعوره أن مواكبة عربيته في هذا الزمنِ عار يندى لهُ الجبين! لكنّهُ ما علمَ أنهُ العار الذي يُرسمُ على الجبينِ كلّ يوم.
وكما قال الأديب الحافظ إبراهيم:
"أيُطربُكم من جانبِ الغربِ ناعِبٌ
يُنادي يؤدي في ربيعِ حياتي !
فلا تَكِلوني للزمانِ فإنني
أخافُ عليكم أن تحينَ وفاتي
وفاتُها . . وفاتُنا".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.