شعار قسم مدونات

تونس تفتقد بن عاشور

مدونات - الطاهر بن عاشور

محمد الطاهر بن عاشور ولد في تونس، 1296 هـ وتوفي 1393 هـ، عالم دين وفقيه وخطيب وشغل مناصب عدة منها ما كان زمن الاحتلال الفرنسي، ومنها بعد الاستقلال، اشتغل بالقضاء، وكان الشيخ الأول لجامعة الزيتونة، عرف عنه الجرأة في الحق، والبلاغة في الخطابة، وقد أبعده الاحتلال عن الخطابة وعن المناصب التي كان يشغلها مثل القضاء. ويذكر أن الشيخ الطاهر صاحب أسرع خُطبة جمعة في تاريخ الإسلام، حيثُ صعد على منبر جامع الزيتونة في إحدى خطب الجمعة ونظر إلى المصلين وقال: نساء شكون إلي في الأسواق، ثم كررها مرة ثانية: نساء شكون إلي في الأسواق فجلس الشيخ ثم قام وقال: لا خير في صلاتكم ونساؤكم عرايا أقم الصلاة يا إمام.

 

وقد مر الشيخ في محن كثيرة ومواقف صعبة، ومع ذلك لم يتردد في أن يكون مع علمه، فكانت أكبر محنة مر بها -حسب اعتقادي- عندما استدعاه بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية في حينها، وطلب منه أن يفتي بما يخالف معلوم الشرع من وجوب صوم رمضان، ويجيز الإفطار في نهار رمضان، مبررا ذلك بأن الصوم يؤخر عجلة التقدم وتطور البلاد، فخرج الشيخ إلى الناس على التلفاز، فخاطب الناس وشحن الهمم، وبين حكم الشرع من صوم رمضان، ثم أنكر على من ينكر معلوم الشرع، وحرم إفطار رمضان دون سبب شرعي للإفطار، وختم قوله صدق الله وكذب بورقيبة، فكان كلامه سببا لثبات الأمة على معلوم الدين، ولم يتجرأ بورقيبة على إنكار ذلك، ورغم أن رئيس التونسي أفطر في نهار رمضان وشوهد يحتسي القهوة في شرفة القصر ليشجع الناس على الإفطار، إلا أن كلام بن عاشور كان الفصل، فلم يستجب أحد وبقي الناس على معلوم الدين من صوم.

 

 

وكم هي المحن التي تمر بها الأمة، ومع تشابه الأماكن والشخوص، يطل السبسي الرئيس التونسي الحالي لينكر معلوم الدين، فلا يكتفي بإنكار الشرع فيما يخص قانون الإرث وغيرها من قوانين الشرعية التي تنظم حياة الأسرة، حتى يأتي بقوانين تطال روح الشريعة الإسلامية، فيبيح ما حرم الله، ويسن قانونا يجيز الزواج بما يخالف الشرع الإسلامي، فأباح للتونسيات الزواج من غير المسلمين بما في ذلك ما حرم على رجال المسلمين أنفسهم وفق الشريعة الإسلامية، فأصبح لهن الزواج من الكتابيين وغير الكتابين، ولم تجد من ينكر أو يشجب، حتى الأحزاب الإسلامية انصاعت بشكل مخزي ومهين، بل كانت شريك في سن القانون، وبأصوات الإسلاميين في البرلمان التونسي مرر القانون، ألم يستطيعوا الوقوف في وجه هذا القانون؟ ألم يكن خيرا لهم أن يصوتوا ضد هذا القانون؟ أو على الأقل الامتناع عن التصويت.

 

أين ابن عاشور.. هل مات ابن عاشور فمات معه علماء تونس؟! الا يوجد في تونس رجل رشيد، أعجز علماء الأمة أن توجد شخص يقف في وجه السبسي ويقول له كذبت وصدق الله؟! بل الأجدى أن نقول ألا يوجد رجل رشيد يقول لحزب النهضة الإسلامي التونسي كذبتم وصدق الله؟! ما بالكم تنسبون أنفسكم للإسلام، وتدعون أأن هدفكم إنشاء دولة ذات مرجعية إسلامية، ثم تكونوا شركاء في سن قوانين تخالف المعلوم من الشريعة!

 

إذا كان هذا حال الأحزاب الإسلامية، فكيف تكون مواقف أحزابها العلمانية والاشتراكية، رحم الله ابن عاشور، كان أمة لوحده، وقف وعمر ناهز الثمانين في وجهة من أراد أن يبدل المعلوم من الدين، ولم يخف من قول كلمة حق فكان أقرب الناس إلى الإمام أحمد بن حنبل، عندما وقف في وجهة المعتزلة، ما بال تونس لم تعد تنجب العظام ممن ينصرون الضعيف ويقفون في وجه الحاكم إذا أخطأ، وينصرون دين الله..؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.