إن التقارب بين العدالة والتنمية وحزب الأم القومي التركي، فرض على النخبة المحافظة مواقف وسياسات متباينة عن سابقتها، وذلك لمغازلة التيار القومي المتصاعد في الداخل التركي، خاصة بعد الانقلاب العسكري في ٢٠١٦. وكذلك لحفظ التوازنات في مسألة الرأي العام التركي بالشكل الذي يخدم أردوغان وطموحاته السياسية في تركيا، إذن إن الموقف التركي تجاه استفتاء كردستان قائم على قراءات مرحلية قابلة للتغيير في أي لحظة.
أما العامل الإقليمي، فإن التوقيت وعدم التشاور مع الطرف التركي قد أفرز موقفا تركيا متصاعدا، وذلك بسبب التقارب الجيوسياسي بين كل من روسيا وإيران وتركيا ومحاولة أنقرة تحقيق مصالح أمنية في شمال سوريا، فالاستفتاء في إقليم كردستان فرض على أنقرة مواقف متصاعدة لمغازلة الطرف الإيراني.
والمعطيات الأمنية والاقتصادية تفرض على أنقرة عدم التسرع في فرض عقوبات اقتصادية أو استخدام القوة العسكرية ضد الإقليم، وذلك للروابط الأمنية والاقتصادية التي تخلق حالة المستفيد المتبادل (Win-Win) بين الطرفين الكردي والتركي، وكذلك الموقع الجيوسياسي المهم لإقليم كردستان، كونها عمق أمني مهم لتركيا، خاصة بعد فقدان العرب السنة لأي دور يذكر في ظل تزايد الدور الإيراني وتوسع نفوذ الميليشيات الشيعية في العراق.
وأخيرا، أنقرة في ظل التأزم الدبلوماسي مع أوروبا وفقدان الثقة مع الولايات المتحدة والتوسع الإيراني لا يمكن أن تغامر بعلاقاتها الاستراتيجية مع إقليم كردستان، خاصة في ظل المحاولات التركية من إيجاد بدائل سياسية واقتصادية للتحرر من العزلة السياسية التي فرضت عليها تطورات الربيع العربي والأزمة السورية التي بدورها أدت إلى اختلال توازن القوة في الشرق الأوسط.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.