شعار قسم مدونات

صفقة زواج!

مدونات - زواج عرس أسرة

تبدأ المباركات من كل حدبٍ وصوب فهي من ظفرت بعريس، تمت تصفيتها إقليمياً من قِبل هيئة نسوة الأعراس والمناسبات فقد أجمعن أنّه لا يُشَقّ لها غبار في الرقص والتّنظيف وأعمال المنزل الشّاقة، كما تمّ قبولها من طرف الهيئة العليا: العريس. فقد تَقبَّلها نوعاً ما، لازال أنفها الكبير يزعجه بعض الشيء، لكنها مثقفة، جميلة، وابنة عائلة محترمة.

 

مهلاً والعريس كيف هو؟ ستكون الإجابة غالباً: الرّجل لا يعاب! لا يهم مستواه الثقافي مادام يملك مالاً، أو على الأقل دخلاً، ولا يهم الشّكل فالرجل مقبول في كل الأحوال، كما أن أخلاقه لا تهم كثيراً، فهو رجل! أضحى الأمر طبيعياً جدا كل ما فيه ان الأم تريد الأفضل لفلذة كبدها، أما الرجل فعاهات مجتمعنا تصب في مصلحته، والفتاة كل همها أن تلبس الطرحة، تتنازل عن أحلامها وطموحاتها في سبيل زيجة لا تمنحها سوى لقب زوجة! لكنها لا تنظر للأمر هكذا، في نظرها أنها قامت بأعظم إنجاز… لقد تزوجت!

 
ستلجأ إلى التّمائم كي لا تصيبها عين شريرة! تقطع علاقاتها مع معظم الصديقات، تنحصر العناوين التي تقرأها عن طرق العناية بالبشرة، ولا تتعدى اهتماماتها حائط المطبخ وصالونات التجميل! للأسف هذا واقع الكثيرات.

 

الأنا بعد الزواج تستحيل نحن، والاثنين يصبحان واحداً، يرى كل من الشّريكين نفسه من خلال شريكه، لا مكان للأنانية بينهما

صار يُنظَر للزواج كصفقة، تتعدد المبررات الظاهرة إلا أنه غالباً تسعى المرأة للهروب من العنوسة والوحدة، ويسعى الرجل من خلاله لإيجاد خادمة تحت مُسمَّى طاعة الزوج، لكن الخادمة التي تبحث عنها سيّدي لن تنجب وتربي إلا عبيدًا ومن المحتمل أن تنقلب عليك بمكرها وتُحيلك خادماً، أما الوحدة فتغدو أكثر بشاعةً حين نشعر بها برفقة الآخرين، برفقة أناس لا يفهمونك، ولا يسعون لذلك.

  
قد تبدو هاته الذرائع قديمةً ومكشوفة إلا أنّه تم استحداث مبررات أكثر أناقةً ورقيا فمن أصدق ما قرأت أن الزواج صار عملية اكتشاف مغلفة باسم الحب وإكمال نصف الدين كاكتشاف المدن والقارات، بعضها يدفعك للبقاء والاكتفاء وبعضها الآخر يدفعك للرحيل واكتشاف المزيد، هذه هي الحقيقة، وان كانت تبدو مزعجةً حين نقولها إلا أنها صادقة، يندفع أغلب الرّجال إلى النساء أو العكس بدافع الاكتشاف أو إعادة تمثيل المشاهد المكرّرة عن حكايات العشاق، والنهايات السعيدة، وحتى بدافع الملل، والفراغ العاطفي، كل شيء يبدو في البداية رائعاً وبراقاً، ثم تبدأ المشاعر بالكشف عن نفسها إمّا سلباً أو ايجاباً، لكن الحكايةَ الأصدق هي من تختارنا لا نحن من نختارها، تأتي عفويةً صادقة غير مُخطَّطٍ لها، أو مرجُوٍ منها أن تسُدَّ احتياجا أو نقصاً، الحكايةُ الأصدق هي التي تستمر حتى النهاية رغم أنف التّعود، والرتابة، وتحديات الحياة المختلفة.

 
يحتاج هؤلاء إلى من يذكرهم بقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، دعوةٌ للتّفكُر في قدسيّة العلاقة والميثاق الغليظ، أزواجٌ من أنفسكم: فالأنا بعد الزواج تستحيل نحن، والاثنين يصبحان واحداً، يرى كل من الشّريكين نفسه من خلال شريكه، لا مكان للأنانية بينهما. 

 

ماذا لو أعلَنّا الزواجَ بدايةَ عهد جديد، لا نهايةً للحب كما يزعمون؟ ماذا لو جرّبنا الاستعداد لهذه التجربةِ بالقراءة؟ ماذا لو اتفقنا على معايير حقيقية لاختيار شريك الحياة؟
ماذا لو أعلَنّا الزواجَ بدايةَ عهد جديد، لا نهايةً للحب كما يزعمون؟ ماذا لو جرّبنا الاستعداد لهذه التجربةِ بالقراءة؟ ماذا لو اتفقنا على معايير حقيقية لاختيار شريك الحياة؟

فالزواج علاقةٌ تدوم عمراً، وليست محض اكتشاف أو مغامرة، الزواج وعدٌ يلتزم به كلا الزوجين، وعدٌ يضمن لكليهما الحبَّ والوفاء وحسن العشرة والاحترام.. والحب هنا ليس مجرّد كلماتٍ تحملها الألسن، وإن كان للكلمة الطيبة أثرٌ في إنعاش ذاكرة الشعور، لكن للأفعال هيبتها فهي أشدّ صدقاً.

 
أن أكون زوجتك: يعني أن أكون وطنكَ حين ينكرك كل من حولك، أن أعيرَك كتفي إذا أثقلت الهموم كاهلَك، أن تكون سعادتك من أسمى أهدافي، أن أكون صديقتَكَ وامرأَتك التي تُناصفكَ كلَّ شيء، حتى اللقمة الواحدة.
أن أكون زوجك: يعني أن أكون أجنحتكِ إذا ضاقت بك الأرض وفكّرت في الطيران، ألا تسمح يديي بوقوعكِ، وإن حدث هذا سأحاولُ انتشالكِ سريعاً، سأدوسُ كل عادةٍ جاهلة من أجلكِ، ولن أخبئكِ في الظلام كالخطايا.

 

أن نمُرَّ بأقسى الأوقات دون أن نقفد احترامنا لبعض، أن نتقاسم الحزن فيغدو صغيراً مجزأ وتافهاً، أن يصونَ كلٌّ منا الآخر في غيابه، أن نتعلم كيف نبتلع الحياة سوياًّ دون السماح لها بابتلاعِنا، أن ندرِك فعلاً ما نحن بصدد الإقبال عليه، أن نتشبّع بالمسؤولية، تلك التي تضمن لنا السير بمركب الزوجية نحو برّ الأمان، وتمكّننا من إنجاب جيل سوي، فالمجتمعُ ليس بحاجةٍ للمزيد من عديمي التربية. 

 

لا تبحَث عن الأنوثةِ في مساحيق التجميل، لا تبحَث عن نسخةٍ مكررّة وتافهة، عن فتاةٍ لا تجيد سوى انتظار فارس أحلامها، عن كائن معطّل لا ينتج سوى الأطفال وبعض الأطباق الشهية

ربما بضعة أسطرٍ عاجزة عن التعبير عن عمق القضية، وإيجاد حلول شافية، فنحن نتحدّث عن عصارة تربية ونشأة وتجارب، عن جيلٍ وُرِّثَ معتقدات خاطئة، وعن قلوبٍ صَنَعَت هشاشتَها وسذاجتها المسلسلاتُ التُّركية والأغاني العاطفية، عن كثيرٍ من المفاهيمِ المغلوطة عن الحب والزواج.

 

لكن ماذا لو أعلَنّا الزواجَ بدايةَ عهد جديد، لا نهايةً للحب كما يزعمون، ماذا لو تحسّسنا مواضع عقولنا وقلوبنا قبل الولوج في هذه الحياةِ الجديدة، ماذا لو جرّبنا الاستعداد لهذه التجربةِ بالقراءة وتناول الكثير من الكتب، لا بصبغ الشعر ووصفات التنحيف وتكديس مستلزماتٍ لا طائل منها، ماذا لو اتفقنا على معايير حقيقية لاختيار شريك الحياة، بعيداً عن المظاهر الخادعة، والمشاعر الزّائفة، معايير كالمسؤولية والصدق والوفاء. 

 

إلى كل فتاة لا تخدعنّك أناقةٌ تخفي وراءها أشباه رجال، ابتعدي عن رجل تقليدي جداً لن تهمّهُ إنجازاتكِ خارج حدود المطبخ، بليد لا مشكلة لديه في تفويت ولادة طفلكما الأول، رجل لا يشعر بالفخر بك. 

 

وأنتَ لا تبحَث عن الأنوثةِ في مساحيق التجميل، لا تبحَث عن نسخةٍ مكررّة وتافهة، عن فتاةٍ لا تجيد سوى انتظار فارس أحلامها، عن كائن معطّل لا ينتج سوى الأطفال وبعض الأطباق الشهية. صحيحٌ أننا لم نختر أُسَرَنا، أسماءنا وربما مدارسنَا، لكننا نستطيع إختيارَ شركاءِ حياتنا وأحلامنا. 

 

كلمة أخيرة، أرجوك تزوّج من يبنيك لا من يهدمُك، تزوج من تستطيع الاحتماء في مبادئه لا الهروب من قبح أفعاله، كفاكما عشوائيةً في اختيار النّصف الآخر كي لا تعيشا بقية حياتيكما بنصفٍ مشوه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.