شعار قسم مدونات

الطبع الثوري عند الجزائري

blogs- الجزائر

القول بأن الشعب الجزائري شعب ثوري بطبعه فيه من المبالغة قدر ما فيه من الصحة، لأن الإنسان الجزائري الذي وإن لم تفرده الطبيعة دون غيره فقد أكسبته بفعل إرثه التاريخي تجربة متراكمة أضفت على عقله الواعي والباطني ألوانا متميّزة يلتمسها الملاحظ فيما يعرف به الجزائري من الحدّة في المزاج والاندفاع في الفعل والقدرة على التحدي، وربما الجدّية المفرطة في الطبع..

إنها بعبارة أخرى خصائص كنه تشغل فيه الثورة الحيّز الأكبر، فمنها ينبغي أن ينطلق الفعل ويتم إنجاز العمل وتقاس النوايا وتحدد قيمة الرجل، وكل نزوع مخل أو مناهض لهذه المرجعية من شأنه أن يربك أسس الأمة ويتلف وشانجها ويؤدي إلى ضياع الإنسان فيها. ولعل هذا ما يفسر زهو صور التحدي في تاريخ الشعب الجزائري طيلة اصطدامه بأقوى الهيمنة والتسلط، ويفسر أيضا تلك الصور سوى المشرقة منها أو القاتمة، التي تَمثل اليوم أمامنا في جزائر الاستقلال بعد تجربة 55 عاما من الفعل والفعل المعاكس اللذيْن يأتيان بطبيعة الحال في سياق التوافق أو اللاتوافق مع المرجعية الحقيقية والأصيلة للأمة..

آخر صولة الوحش الذي نما بين ظهرانينا تمثلت في إعلان حرب معنوية ضد وجودنا كأمة وكوطن بما حاول زرعه ولا يزال من محو الإسلام لأنه الدين السماوي الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسود العالم.

والثورة كما هو معلوم ليست مفهوما جامدا أو قوالب متحجرة محدودة الزمان، وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة يتفاعل معها الانسان أخذا وعطاء.. وعن طريقها يتم الإبداع والخلق وتنبثق الأخلاق والقيّم وتتحد الغايات والأهداف. وأكاد أجزم بأن ما تحقق للشعب الجزائري من مكتسبات وما أصابه من إحباطات في مسيرة البناء إنما مرّده الى درجات تماسكه، اقترابه وابتعاده عن روح الثورة المتأصلة فيه وعن السلوك الثوري الذي بالإضافة لمعانقته كنهنا كجزائريين فهو شديد الارتباط بصميم جوهرنا الحضاري الذي تحتل فيه قيّم العمل والإيثار ونكران الذات مكانة الصدارة..

وإذا كانت الثورة كما يقولون كالنار تأكل نفسها إن لم تجد حطبا، فإن الصورة نفسها أيضا تنطبق على المجتمع الجزائري الذي نمى بين ظهرانيه وحش هو الابن السفاح للكولونيالية وقوى الشر، وما انفكَ هذا الوحش يلتهم كل ما هو أصيل ويبدد كل ما له علاقة بالثورة وبالفكر الثوري إلى أن أضحت اليوم الألوان ليست بذات النصاعة، وأصبحت المرايا الداخلية للإنسان في وطننا مضببة لا يميّز فيها الغث من السمين وقد يتحول كل شيء عنده إلى طلاسم مندفعة ضاغطة تحجبه الرؤيا وتُفقده الأمل..

آخر صولة الوحش الذي نما بين ظهرانينا تمثلت في إعلان حرب معنوية ضد وجودنا كأمة وكوطن بما حاول زرعه ولا يزال من محو الإسلام لأنه الدين السماوي الذي فيه من القوة ما يستطيع به أن يسود العالم، وعلى محو اللغة العربية بالبلاد، وعلى محو العروبة، لأنها دعامة الشعب وقد استعمل جميع الوسائل المؤدية إلى ذلك، ظاهرة وخفية، سريعة ومتأنية، وما تبعها من محاولات زعزعة استقرار البلاد من خلال ظهور بعض الأفكار والأيدلوجيات الدخيلة على هوية الشعب الجزائري. لكن ليعلم "الأوغاد" بأن قوة الصمود في أحفاد بن بولعيد وعميروش أكبر من أن ينال منها مهما بلغ هذا أو ذاك من الوحشية والدناءة وبأن روح نوفمبر فيهم ولا تزال وستبقى متأججة إلى الأبد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.