شعار قسم مدونات

قمة إيفانكا وقمة القدس

blogs - إفانكا ترمب

سُئل الأستاذ محمد حسنين هيكل، رحمه الله: متى ستُنقل سفارة أمريكا إلى القدس الشريف؟ فأجاب: حين توافق السعودية وتصمت مصر.. في صورة اعتبرها البعض قمة التبجح، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ولكنْ تخطى هل قرار السيد ترمب المتوقع؟ أم أنه قرار مُتفق عليه بين اللاعبين الكبار في المنطقة؟ أعنى هنا السعودية، التي وافقت، ومصر، التي صمتت؟ أعود وأقول في نفسى علينا أن نُحسن الظن! ولكن كيف نُحسن الظن وهم يجاهرون بالعاصى؟!

في ظل صمت مُطبق وغياب متعمد، غابت أخبار قمة القدس التي عُقدت مؤخراً في إسطنبول عن افتتاحيات صحف وفضائيات السعودية ومصر؛ وكأن الأمر لا يعنيهما، فظهر جليا تعمد التجاهل! فكيف نحُسن الظن؟ في ظل الآثار السياسية الكارثية ووأد مسار التفاوض على مصير القدس الشريف جراء قرار السيد ترمب، كانت مشاركة الدولتين هزيلة: مصر أرسلت، على استحياء، وزير خارجيتها والسعودية أرسلت وزير الشؤون الدينية!

حين انتهى "الموسم" وانفض الحاضرون استشعر الجميع أن قمة القدس في إسطنبول كانت "فنكوش" وترمب ما جاء إلا ليبارك تولي بن سلمان مقاليد الحكم، إعطاء الضوء الأخضر لمحاصرة قطر

فكيف نحُسن الظن؟ في وقت انعقاد القمة في إسطنبول، ألقى الملك سلمان كلمة أعاد فيها تمسك المملكة بثوابتها الدينية بالدفاع عن القدس. كما كرر البروباغندا المعتادة أن بلاده ستمضي في نهجها المعتدل ولن تتهاون في محاربة الإرهاب! تساءل البعض حين استمع إلى هذا الكلام عن القدس ومكانتها: طالما أن قضية القدس لها مكانتها، لماذا لم يستقل طائرته الخاصة ويلقي هذا الخطاب بين الحاضرين؟ أم أن حديثه جاء وكأنه ذرّ للرماد في عيون المنتقدين لموقف المملكة الموافق؟ أو قد يكون الهدف من توقيت حديثه خطف الانتباه من الحاضرين في اسطنبول لإفراغ القمة والتقليل من أهميتها. فكيف نحُسن الظن؟

وعلى المنوال نفسه، تجاهل جنرال مصر أي حديث عن قرار ترمب، وحتى بعد القمة الثلاثية التي جمعته مع ملك الأردن ومحمود عباس لم يتفوه بنصف كلمة تجلى الشك عن الموقف المصري الصامت. وإذا تركنا قمة القدس، التي لن تغير من الواقع الجديد شيئا، كما يرى المتغيبون عن عمد، على اعتبار أن ما قرره السيد ترمب مُقدس لا يجب مخالفته حتى وإن خالف قرآننا وثوابتنا الدينية، ناهيك عن مخالفته الصريحة لقرارات الأمم المتحدة، وعدنا بالذاكرة قليلاً إلى القمة الإسلامية الأمريكية التي دعا إليها محمد بن سلمان في الرياض، سنجد أن الاهتمام الرسمي والإعلامي السعودي تخطى المعقول.

أما بالنسبة إلى مصر فقد كان الجنرال على رأس الحضور، بخلاف الاهتمام الإعلامي الكبير بأعمال القمة ونتيجة هذا التعاطي المفرط، انتظر الجميع أن تصدر عن القمة بيانات تقطع ألسنة من يدعى أن سياسة ترمب معادية للإسلام ولمصالح العرب، وأنه جاء ليفتح صفحة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل. وتتعهد الولايات المتحدة بأن تكون طرفاً نزيهاً في أي مفاوضات بين العرب ودولة الاحتلال وأن يتوقف عن وصفه للإسلام بأنه دين إرهاب.

كل الخوف أن نشهد ممن وافقوا وصمتوا المزيد من التنازل عن ثوابتنا الدينية والتاريخية ليأتي الوقت الذي نجد فيه أنفسنا نطالب الرئيس الأمريكي بأن يتراجع عن قراره بضم مكة المكرمة أو القاهرة إلى إمبراطورية الشر
كل الخوف أن نشهد ممن وافقوا وصمتوا المزيد من التنازل عن ثوابتنا الدينية والتاريخية ليأتي الوقت الذي نجد فيه أنفسنا نطالب الرئيس الأمريكي بأن يتراجع عن قراره بضم مكة المكرمة أو القاهرة إلى إمبراطورية الشر
 

ولكن حين انتهى "الموسم" وانفض الحاضرون استشعر الجميع أن القمة كانت "فنكوش" وترمب ما جاء إلا ليبارك تولي بن سلمان مقاليد الحكم، وإعطاء الضوء الأخضر لمحاصرة قطر، في مقابل الحصول على مئات المليارات والهدايا مما تنوء به خزائن البنوك عن الاحتمال والعقل العربي عن التقبل. ولم تنته المهزلة عند هذا الحد، بل شُوهد السيد ترمب وهو يرتدي القلنسوة اليهودية امام حائط المبكى، يتعهد بالدفاع عن إسرائيل حتى وان كان بأموال عربية!

فكيف نحسن الظن؟ مع الأسف، ما بين قمة إيفانكا وقمة القدس جدار سميك يفصل بينهما. فالأولى رسّخت المهانة أمام المرابي اليهودي والثانية كانت محاولة لإصلاح ما أفسدته الأولى من خلال رفع صوت الأمة عاليا، وإنه كفى عبثاً بمقدساتنا. كل الخوف أن نشهد ممن وافقوا وصمتوا المزيد من التنازل عن ثوابتنا الدينية والتاريخية ليأتي اليوم الذي نجد فيه  أنفسنا نطالب الرئيس الأمريكي بأن يتراجع عن قراره بضم مكة المكرمة أو القاهرة إلى إمبراطورية الشر أورشليم القدس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.