شعار قسم مدونات

مُويك(٢).. لا تُطفِئ المِصباح!

Blogs- moic
الحياة الجامعية مُمتلئة بالمشاغل الدراسية، الصعبة، الكثيرة، فما بين طالب يأمل الدرجات العلى، فيغفل عن المجريات التي تُحيط به، ويصبح كالبيت الذي أقامه صاحبه من ذهبٍ وتركه خَرِب لا أساس فيه ولا حياة، وطالب يأمل التوسط، ويأخذ شيئا من كل شيء، فهو في حياة كاملة، يدور واقعنا، إضافة إلى المُلهِيات الأخرى، التي لا يلبس الطالب أن يميل إليها حتى يغرق في بحرها، فيجد نفسه مُحبا للفنان، ومشجعا للاعب، أو هائما وراء أوهامٍ وردية، في ظل هذا وذاك وعلى عكس التخبط الذي نلقاه -نحن الطلاب- يظهر مويك، نموذج المحاكاة لمنظمة التعاون الإسلامي، الذي أسس في كلية السياسة والاقتصاد جامعة القاهرة في عام ستة بعد الألفين.
 
كتبت في مقالي الأول عن رحلتي لاستكشاف هذا المجتمع الطلابي وتقديمي فيه، واليوم أكتب عن مويك، كأحد الأفراد المُساهمين فيها، فدعونا نمعن النظر في تفاصيلٍ هامة، ونوجه الأعين في المسارات الصحيحة، ونوضح ما الذي يفعله شباب مويك؟ وما سلبيات هذا المجتمع؟ وهل هو على طريقه لإحياء الأمة حقيقة، أم أنها مجرد شعارات لا تُسمن ولا تُغني؟
 

مجتمع مُويك
بعدما جاوزت مراحل ثلاثة شاقة، وعسيرة، للقبول كأحد مسيري المجلس الثقافي، بت واحدًا من هذا المُجتمع الواسع، الذي فيه من الطلاب أصناف وألوان كثيرة، متنوعة، مختلفة، وعن مقربة، فإنني استشعر روابط عظيمة مع رفاقي في المجالس الأكاديمية -أحد مشاريع مويك- فحديثنا عن الثقافة، والسياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والإعلام، لا يخلو من ثلاثية الدين ودوره في حياتنا والهوية وأهميتها وتقويمها واللغة وجمالها وأثرها، هذه المعاني الثلاثة دائما ما تتكرر في حديثنا، حتى أني عزمت على حصرها عددا في إحدى مناقشاتنا فتجاوز العدد الستين مرة، لهذه الكلمات الثلاث، في أقل من أربع ساعات، فماذا لو طبق مجتمع مويك في كل جامعاتنا العربية؟ يقينا ستتغير معادلة وعي الشباب العربي، ويظهر التغيير الإيجابي الذي يقوم بأمتنا، ويحييها وعيا وفكرا وثقافة.

مويك دواؤك السؤال
يقول نجيب محفوظ: "الحقيقة بحث وليست وصول" الحياة رحلة، غايتها البحث، ومنتهاها التسليم، وما بين هذا وذاك يبقى السؤال وحده، نور الطريق، من هذا المُنطلق تشكلت سماء مويك في عامها الثالث عشر، ليدرك الجميع أهمية السؤال، وأنه مفتاح الطُرق المُغلقة، والأبواب الموصدة، وأن زاد المُتعلم الذي ينضم إلى هذا المجتمع وحده السؤال الذي يحث على التفكير والتأمل، وأن الحياة معادلة لا تُحل إلا بالسؤال عن معطياتها وتحليلها جيدًا.

 

مويك لا يُشبه الأنشطة الطلابية العامة، إنما هو عالم خاص، له ظروفه المختلفة، والتي توفر للطالب التجربة، واتخاذ القرار، واستشعار المسؤولية، تجاه الأمة
مويك لا يُشبه الأنشطة الطلابية العامة، إنما هو عالم خاص، له ظروفه المختلفة، والتي توفر للطالب التجربة، واتخاذ القرار، واستشعار المسؤولية، تجاه الأمة
 

القافلة.. يُوَفّ إليكم

من بين أقسام مويك يأتي قسم "مسؤولية مويك المُجتمعية" بواحد من مشاريعه وهي القافلة التي تتحرك كل عامٍ -منذ العام عشرة بعد الألفين- إلى سد حاجة، وتوسيع ضيق، وتوطيد منزل، وإزالة همٍ، وتنفيس كربٍ وبث الحياة والأمل، ونشر الخير، قافلة تقوم على جمع التبرعات، وتهدف هذا العام قرية أطفيح جنوب الجيزة، التي فيها من المعاناة ما لا يحتمل، ومن الفقر ما يقتل، ومن البرد ما يأكل الجسد ليلا، ومن الجوع ما لا يقوى عليه بشر، وتهدف هذا العام إلى:
 
بناء خمسة عشر سقفًا، تكلفة السقف الواحد تترواح بين ألف وستمائة إلى ألفين ومائة جنيه، في أطفيح، ثمة أمهات وبنات لا ينمن الليل؛ خوفًا وعدم شعور بالأمان صيفًا وشتاء، لا يهنأن براحة في منازلهن، ثمة أطفال يعانون ثلج الشتاء، وذويهم في معاناة لأجلهم، من للإنسان -بعد الله- غير أخيه؟ تجميع أكثر من ثلاثمائة بطانية تكلفة الواحدة مائة وعشر جنيهات، لك أن تتخيل حجم المعاناة التي يقاسيها أطفال القرية في مواجهة برد الشتاء، بينما نحن في منازلنا نهنأ بالدفء والراحة، هم في صراع مع الحياة، لكنه صراع غير عادل، فتدبر قول الله تبارك وتعالى: "إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" (التغابن:١٧)
 
تجميع 1500 قطعة من الملابس بمقاساتٍ مختلفة، بينما نحن غرقى في فضل الله، ولدينا من الملابس الكثير، والمختلف، هناك من لا يملك، وإن بُليت قطعة فلن يستطيع أن يشتري غيرها، فلا مانع من أن ننفق مما يُحبب إلينا في سبيل الله، ونعين المُحتاجين، تجميع أكثر من ثلاثمائة حقيبة من المواد الغذائية، تكلفة الواحدة تترواح بين تسعين إلى مائة وعشر جنيهات، بينما نحن نعيش في رفاهية اختيار الطعام، هناك من لا يضمن طعام وجبته التالية، ومن لا يجدها بالفعل، في قافلة مويك إلى أطفيح سبيل لإعانة المحتاجين، فكُن ذا أثر!
 

مويك مدرسة الحياة
مويك لا يشبه الأنشطة الطلابية العامة، إنما هو عالم خاص، له ظروفه المختلفة، والتي توفر للطالب التجربة، واتخاذ القرار، واستشعار المسؤولية، تجاه الأمة، والوطن، فمعانٍ مثل التعاون، الاتحاد، التكاتف، تظهر كل يوم بين الطلاب؛ إذ يجمعهم هدف واحد، كما أن الأمر الذي يجعل مويك أكثر تميزا عن غيره هو حدودية التعامل بين الشباب والفتيات، كل في عمله، وكل يلزم حدوده، إن مويك أشبه بكوخ صغير تُطبق فيه المبادئ والأخلاق، بينما خارجه غابة لا ضبط فيه ولا التزام.
 

من سلبيات مويك

التدرج الهيكلي في بناء النموذج يمنح لبعض الطلاب امتيازات أكبر، بينما يجعل الآخرين -ومنهم ذو كفاءة- يعملون في إطار أقل مساحة، وأكثر حدودية من الإمكانات المتاحة، كما أن النموذج لا يؤصل استخدام العربية الفصحى، ولا يشرع في بناء قسم خاص بالحفاظ على مكانة اللُّغة العربية، وتدعيمها في صفوف الشباب بشكل مباشر، وإنما يُعزي ذلك إلى الاستثنائية، كما أن عدم استغلال التنوع الطلابي بشكل كبير، يجعل المناخ العام للنموذج مصبوغا بلون واحد، الأمر الذي قد يؤدي إلى خمول عقلي، وتدهور إنتاجي.

 

أن تترك المِصباح يعمل لا يعني أنك لم تطفئه، بل يجب أن تقويه، وتدعمه في سبيل إحياء الأمة، دينا ولغة وهوية، أن تكون خطوة في الطريق، فنكون على مقربة من الوصول
أن تترك المِصباح يعمل لا يعني أنك لم تطفئه، بل يجب أن تقويه، وتدعمه في سبيل إحياء الأمة، دينا ولغة وهوية، أن تكون خطوة في الطريق، فنكون على مقربة من الوصول
  
الجندي المجهول في مويك
دائما ما تكون الأعمال التطوعية بين الشباب، قائمة على تقاسم الأدوار، كل في ما هو أهله، ولكن في مويك، يزيد الأمر عن ذلك في البذل غير المطلوب، ثمة طلاب يقومون بأضعاف ما يطلب منهم، إخلاصا للنية مع الله، وحبا في العمل، وإنصافا لإيمانهم بهذا المكان، لكنهم لا يُفصحون عن أنفسهم، بثمرة هؤلاء ومجهودهم -في نظري- يلمع مويك بين الأنشطة الطلابية ويتميز عنهم جميعا، فتحية إلى جنود مويك المجهولين، الذي يبذلون؛ إخلاصا لإيمانهم ونواياهم.

أصحاب الأثر
إن ما يميز مجتمع مويك أيضا، الصحبة الصالحة، التي تعزز من سلوك الإنسان، وتقومه، فإن أخطأت ستجد من يصوب لك وينصحك، وإن كنت في شدة وطلبت العون، فستجد الجميع حولك ملتفين على قلب رجل واحد، لكن من بين هؤلاء هناك أصحاب الأثر الذي لا يُنسى والكلمات الخالدة، والتجارب العظيمة منهم:

مديرة المجالس الأكاديمية، والتي تعملت منها المرونة، والصبر على النتائج، التي ليست بالضرورة ستظهر، إلا أن يشاء الله لها بذلك، تعلمت منها الالتزام، والحزم، والوفاء بالوعد حتى وإن كان هذا على حساب راحتي الشخصية، ونائبتاها اللتان تعلمت منهما الإخلاص في العمل، وأنه إن كانت النية لغير الله، فلا عمل ولا نتائج، تعلمت منهما المُثابرة، والتضحية من أجل الفكرة والهدف، تعلمت من الباقيات الصدق والإخلاص، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة.

تعلمت من صديقي زين الابتسام في وجه الجميع حتى لو على عاتقي جبال من الهموم، تعلمت من يحيى النقد والاختلاف المُثمر، تعلمت من نعيم الهدوء والاتزان في طرح الأفكار، تعلمت من عبد الرحمن حب الجميع، والنظر للقضية من جهتين لا من جهة واحدة، تعلمت من شريف عدم الاستسلام، ومن أشرف تقبل الرأي الآخر، ومن محمد عدم التسرع، ومن عرفة عون الجميع، تعلمت من رمضان الثقة بالنفس، ومن طلعت الدهاء السياسي في طرح الرأي، والمُقايضة من أجل الحصول على (شاورما)؛ إذ هو دائمًا يحب أن يأكلها.

لا تُطفئ المصباح
مويك مجتمع طلابي فريد، أشبه بمصباحٍ وحده يُضيئ لإنارة الطريق بينما قد انطفأت المصابيح الأخرى، إذ هو يؤصل لمعنى الأمة، ويبني ركيزة شبابية، مُطلعة، واعية، لها فكر خاص ومبادئ راسخة، تعرف موقفها الحقيقي من فلسطين القدس، وتعي جيدا تاريخها الإسلامي وحضارته العريقة، ولذلك أن تترك المِصباح يعمل لا يعني أنك لم تطفئه، فربما يأتي آخر ويرغمه على الانطفاء، ألا تطفئه تعني أن تقويه، وتدعمه في سبيل إحياء الأمة، دينا ولغة وهوية، أن تكون خطوة في الطريق، فنكون على مقربة من الوصول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.