شعار قسم مدونات

أطفال مُضحكون.. أطفال مُمتهنون!

blogs - kid
"متُّ ياخي من الجوع"…
كان وقع العبارة مؤلما على نفسي ولم أستطع الضحك… عندما شاهدت لأول مرة الطفلة ذات الوزن الزائد في مقطع انتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تتوسل أمها لكي تطعمها، بينما تخبرها أمها أنها يجب أن تقوم بعمل "ريجيم" أي حمية غذائية كي تنزل من وزنها فلا تأكل البيض ولا الأرز بل التفاح والسلطة فقط… والطفلة تبكي بحرقة ببراءة وعفوية.

وبسبب جمال الفتاة ولطافتها انتشر المقطع بآلاف المشاهدات، ثم جاء فيديو آخر لها مع والدها في مطعم إذ يقوم فيه بطلب "لفة" صغيرة جدا لها، بينما يطلب وجبة كاملة لأخيها الصغير ويضعها أمامه وهي تنظر وتبكي وتطلب الأكل فيما يقنعها أبوها من جديد بالحمية التي عليها اتباعها، وكان التصوير هذه المرة تمثيلا مصطنعا بشكل منفر ومثير للشفقة وليس الضحك، وقد شعرت بالمهانة والحزن عليها بالفعل هذه المرة.

وانتشر مقطع آخر لطفلة تتحدث عن غضبها لحرمانها من الذهاب في رحلة عائلية، فعبرت أمام الكاميرا عن مشاعرها وتقول كم أنها تكره المدرسة والمعلمات "دون قصد حقيقي"، وقد أطلقت العنان لمشاعرها فخرج كلامها عفويا مثيرا للابتسامة والطرافة والبراءة…

فتداول الناس المقطع على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، وقام العشرات بإعادة نشره ومشاركة الآخرين في متابعته، وراح الكثيرون يقلدونها بفيديوهات أخرى أو يقومون بتقطيع الفيديو وإعادة إنتاجه بطرق متعددة حتى صار متداولا بين الملايين.

قامت الطفلة التي دعت على مدرستها ومعلماتها "بكرهها " و"الله يهدها المدرسة" بعمل فيديو جديد وهي تلقي شعرا في حب المعلمات كاعتذار ربما عما جاء في كلامها الأول، لكنها لم تسلم أيضا من دعابات الناس من جديد… فقلت في نفسي ألم يكن الأجدى عدم نشر مقطعها على طرافته وبراءتها الواضحة؟

ولو كان الأمر متوقفا عند هذا النوع من الفيديوهات لسهل الأمر، لكنه يتعدى ذلك ويتجاوزه إلى استغلال الأطفال وبراءتهم؛ فبمجرد بحث بسيط على جوجل كتبتُ فيه "أطفال، طفل، طفلة…" اكتشفت وجود عشرات المقاطع لأطفال عرب بأعداد كبيرة وبمحتوى عجيب، فهناك من يصور طفله أو طفلته وهو يدخن "الأرجيلة" أو "الشيشة" وهناك من صورت طفلتها في تقليدها لوالدها وهو يقوم بفعل خادش للحياء، هذا غير الفيديوهات الأخرى الصادمة والعشوائية، وتلك التي يحاول فيها الأطفال إظهار مواهبهم في الرقص والتقليد والغناء وغيره، وكثير منها مأخوذ من السناب شات.

قد نكون اعتدنا مشاهدة الأطفال في مقاطع متنوعة تُبث من كل أنحاء العالم، أطفال بريئو الملامح ورائعو الجمال بضحكات مذهلة، وأطفال يقومون بمواقف مسلية تنسيك همومك للحظات، وآخرون بكلمات بريئة مدهشة وحكيمة في الوقت ذاته، ما يجعلنا نتسلى قليلا ونضحك.

لكن الصادم والذي زاد عن حده المقبول في المرحلة الأخيرة هو كيف صارت تنتشر الفيديوهات بما هب ودب من تصرفات الأطفال ويومياتهم الطبيعية العفوية، وبعضها يعكس واقع أهاليهم وطبيعة تربيتهم، حتى إن تلك الفيديوهات صارت مادة لعمل برامج تلفزيونية ولقاءات مع الأهل إذا كان الفيديو ظريفا، أو تحليل ونقاش ونقد إذا كان المشهد غير مقبول اجتماعيا.

ما بالنا بأولئك الأطفال الذين سجل أهاليهم لهم مقاطع فيديو كاملة مشهورة أظهرتهم بمواقف محرجة أو ضعيفة أو حتى مهينة لهم ولطفولتهم… ترى كيف ستكون ردة فعلهم الحقيقية عندما يكبرون؟

فلم نستغرب إذن أن تقوم ممرضة أو مجموعة ممرضات بتصوير رضيع وهن يعذبنه ويقمن بعمل أشكال بملامح وجهه الصغير؟
أذكر زمان كيف كنا نجلس أمام التلفاز نتابع سلسلة "الفيديو المنزلي" الأميركي الذي كان يعرض على شاشاتنا المحلية قبل انتشار الأقمار الصناعية وقبل انتشار الإنترنيت، فنضحك من قلوبنا ونبقى بعدها نتحدث مع كيف غرقنا في الضحك على ذلك الطفل وكيف وقع ذلك الولد أو كيف خافت تلك الطفلة من خيالها وغيرها من المواقف.

اليوم اختلف الأمر وصار فجا مبالغا فيه وخارجا عن إطار مشاهدة البراءة، بل ويسيء للطفل ويمتهن ويستغل طفولته تلك وهو الذي لا يملك من أمره شيئا ولا يستأذن في رفع صوره وفيديوهاته أصلا.

ولا يقتصر الأمر على مقاطع الفيديو، فصور الأطفال اليومية المنشورة بعشوائية وبمناسبة وبدون مناسبة تملأ الصفحات والحسابات ما يجعلنا نتسائل عن السبب الحقيقي في رغبة الناس للعامة بمشاهدة أطفالهم.

وهنا يتوجب أن نقول إن هناك آباءا وأمهات يرفضون أو يخففون من نشر صور أطفالهم في عالمنا العربي على مواقع التواصل الاجتماعي حماية لهم ولخصوصيتهم في المستقبل ولاعتبارهم أن الأمر خاص بهم وبعائلاتهم ولا يهم أن تنتشر الصور عبر الفيس بوك والإنستغرام وغيره.

ومؤخرا ظهرت دراسة في بريطانيا نشرتها البي بي سي أظهرت انقسام الآباء والأمهات بين مؤيد ومعارض لنشر صور أطفاله على مواقع التواصل الاجتماعي، فقال أكثر من نصف المشاركين في الدراسة إنهم "يتجنبون الإفراط في نشر صور أطفالهم عبر وسائل التواصل".

ويعيد هؤلاء السبب في عدم تحبيذهم لنشر صور أبنائهم إلى الرغبة في حماية خصوصية الأطفال دون الثامنة عشر، وقد قال فقط 20% إنهم ينشرون صورا لأطفالهم مرة واحدة على الأقل في الشهر.

وأكد 56% أنهم لا ينشرون صورا لأطفالهم على مواقع التواصل، و70% منهم رأوا أنه من غير المقبول نشر صورة أي شخص دون موافقته. لكن 52% من الآباء الذين ينشرون صور أطفالهم عبر الإنترنيت قالوا إن أطفالهم بدوا سعداء بنشر الصور، فيما أظهر 15% قلقهم من موقف أطفالهم عندما يرون صورهم حين يكبرون.

نقول صورهم… فما بالنا بأولئك الأطفال الذين سجل أهاليهم لهم مقاطع فيديو كاملة مشهورة أظهرتهم بمواقف محرجة أو ضعيفة أو حتى مهينة لهم ولطفولتهم… ترى كيف ستكون ردة فعلهم الحقيقية عندما يكبرون؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.