شعار قسم مدونات

الاستبداد وأثره على الشعوب

Blogs- syria
إن من طبيعة الأنظمة المتحضرة في لباس العلم والمعرفة أنها تسعى جاهدة إلى التطوير والإزدهار والعمل بإخلاص لأجل خلق فرص للعمل لأبناء شعبها وشبابها، فما يلبث هذا الوطن أن يحصد ما زرع مما قدمه لأبناء وطنه وشعبه، بأن يرد شبابه العرفان والجميل بتفريغ الطاقات الفكرية والقوى الجسدية والإبداعات العقلية في قالب ممزوج من جسم واحد، تتكاتف فيها الجهود حتى تبنى العمران وتزدهر الأوطان، بسياسة هذا النظام المتحضر والذي يسعى جاهدا على التوجيه والإرشاد وفتح الأبواب والآفاق ليتم بذلك تفريغ هذه الطاقات وتوظيف هذه الكفاءات في مكانها الصحيح، فتعلو وتشمخ بها الدول وترتفع فيها هامة الأمم.
 
إن الشباب هم عماد المجتمع الذين ترتقي بهم الأمم وتُحترم بهم الثقافات وتتماسك بهم الروابط والعلاقات، ولكن أين نحن الآن من ذلك كله؟! وهل أنظمتنا الحاكمة تمثل فعلا أحضانا لنا تجعلنا نشعر بالإطمئنان، ونحس بالحب والحنان، ولا تريد لنا الغربة والحرمان؟ هل الأمومة التي في أحضانها تتمنى لنا السعادة والفلاح والبقاء تحت ظلها وأمنها وأمانها دون هم ولا سوء؟
 
إن مفهوم الأنظمة الفاسدة المستبدة لهذه الإمكانات والطاقات هو توظيف ما لديها من أجل الثبات واستمرار وجودها والمحافظة على بقائها على كرسي الخلود!! تعمل هذه الأنظمة على خلق كفاءات تخدم طمعها وطغيانها، وأعوان وحاشية تساعد على بقائها وبقاء ملكها وعرشها، والمحافظة والتغطية عليها في سلب شعبها ومصادر وثروات أوطانها. وبسبب ذلك الأمر تعمل هذا الأنظمة بإنتاجية وبكفاءة عالية أكثر من شعبها وشبابها. ولتمكين هذا العرش تنسف هذه الأنظمة جميع الكفاءات الأخرى التي لا تنتج ولا تعمل لصالح أطماعها وجبروتها، وتبقي فقط الكفاءات المنتجة لبقاء سلطانها.
 
إن حقيقة الإصلاح في الأوطان وعمل الدراسات الاستراتيجية في الإقتصاد والإجتماع والسياسة وغيرها ما هي إلا لأجل كسب أكبر قدر ممكن من المعاونين لها من أصحاب النفوس الضعيفة حتى يعملوا على تثبيت كرسي العرش وبقائه، فينهب صاحب الكرسي النصيب الأكبر مما استنزفه من موارد الدولة، ويكون له من التوحيد والتعاون والتجميع لكثير من الفئات وأصناف الناس ممن جعلهم خدما له تحت مسمى الحاشية، فتُقفل الأفواه وتقتل القلوب وتخدر العقول من أجل تحقيق هدف وآمال هذا النظام المستبد.
 

من الأجدى أن تفكر الأنظمة المستبدة في أسباب عنفوان غضب هذا الشارع والعمل على إصلاح الأمور ولكن، كل نظام مستبد وفاسد وكل صاحب عرش هو خالد مخلد لا موت له ولا فناء!
من الأجدى أن تفكر الأنظمة المستبدة في أسباب عنفوان غضب هذا الشارع والعمل على إصلاح الأمور ولكن، كل نظام مستبد وفاسد وكل صاحب عرش هو خالد مخلد لا موت له ولا فناء!
 

من آثار السلب والنهب والعصبية الغراء تزداد هيئات ومؤسسات ومنظمات الدولة ضعفا ووهنا في مدخولها المادي وجودة مخرجاتها، كما أصبحت مخرجات التعليم والذي تأسست عليه الكثير من الفئات العمرية، مخرجات هزيلة ضعيفة محشوة بمعلومات وثقافات غريبة بها استنزاف للعقول والأوقات، تعليم لا يقدمه النظام المستبد إلا كسبا لباقي الفئات غير المقربة لا من الحاشية ولا من صاحب العرش ذاته، على أنه خدمة للوطن والمواطن، وذلك حتى لا تثور لهم ثائرة ولا يكون لهم اعتراض، فلسان حال النظام المستبد يقول "ها أنا أقدم الخدمات الكثيرة من صحة وتعليم وترفيه وسياحة وغيرها"، وذلك عن طريق أدوات النظام الإعلامية السمعية والمرئية والتي تعمل جاهدة على تنزيهه وتحسين صورته.

وبعد السنوات الطوال من التعليم يخرج العقل الهزيل والذي أجبر على أن يأخذ مجالا جامعيا غير الذي يرغب فيه بسبب تدني درجاته التي لم تحقق له أحلامه لاختيار ما يحب أو يزاول، فلا يلبث أن يخرج من صدمة التعليم العالي إلى التعليم الجامعي حتى ينصدم بقلة فرص العمل، وضعف الرواتب وزيادة الغلاء والضرائب، فتزيد همومه النفسية ويثقل بالمسؤوليات، وتزداد حيرته حول كيفية الخروج من مأزقه، فيتيه في وطنه بل وفي داخل منزله، فيشعر بالغربة في وطنه الأم، والذي من المفروض أن يكون الأم الحاضنة الحنون، التي تلبي رغبات أبنائها وتسهر على راحتهم وتبذل الغالي والنفيس لأجلهم. فكيف لمن لم يكن له حظ في التعليم ودخول المدارس والجامعات. 

مما يزيد الطين بِلَّه، الحيتان وأصحاب رؤوس الأموال وخاصة أصحاب شركات الإستيراد، والتي للنظام المستبد منها الحصة الأكبر، فتسيطر على رؤوس الأموال وتزيد من حاشيتها وولاء أعوانها، فتكثر المنتجات الغربية في الأوطان وتزداد الدول المصدرة وأصحاب الشركات المستوردة والحاشية ثراء، وتثبت أعمدة حامل كرسي العرش فيزيد رفاهية ونعمة. وفي المقابل تقل فرص الإنتاج الوطني والمصانع والشركات الرائدة وتزيد فرص المنافسة للدول الغربية المصدرة في بلد ليس به منافس؟! وبالتالي تقل فرص العمل وتزداد البطالة والفقر والمرض النفسي والعصبي، فينهار الإقتصاد وتتراكم الديون على الدولة، ويقوم هذا النظام بسداد ديونه من جيوب شعبه ومن دم الفقراء والمساكين وتقليص الدعم على القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية، ويزيد في الأسعار والضرائب، ويبخس حق الوطن والمواطن من أجل زيادة تخدير عقل المواطن المسكين الذي ليس له حول ولا قوة.

أحوال أوطاننا في ترد، والفساد في ازدياد، والشعوب في انهيار، والحروب في اشتعال، والقتل والتهجير مستمران، والعدو في ابتسام يترقب
أحوال أوطاننا في ترد، والفساد في ازدياد، والشعوب في انهيار، والحروب في اشتعال، والقتل والتهجير مستمران، والعدو في ابتسام يترقب
 

والآن، ما هي مخرجات هذا النظام المستبد الفاسد يا تُرى؟ الشعب غارق في الديون، والفقرمنتشر، والجوع يسكن البطون، والعقول منضوبة، والأفكار موؤودة، والشباب أصحاب الشهادات حكم عليهم بالضياع حتى قبل تخرجهم، فلا فرص عمل، وإن وجدت فدخل ضعيف لا يغطي متطلبات الحياة. فرأى الشاب ظلام مستقبله ودَكانَة أفكاره، فأصبح الفشل صديقه، والإحباط ونيسه، والكذب عادته، وبالأخص عندما يسأل عن حقيقة مستواه المعيشي ووضعه المادي من أجل إرتباط شريف بفتاة يصون فيه نفسه عن فعل المحرمات واختيار طريق المباحات، فزادت العنوسة وأعداد المطلقات، وغاب الأمان الوظيفي و النفسي وحلت الهموم والكآبة، فزادت الوجوه شحابة، ومعها المشاكل العائلية، فيعق الولد أباه، وتلعن البنت أمها، فتتفكك الأسر، وينحل الرباط المقدس وتزيد الفاحشة والفساد وتكثر الجريمة، وفي نهاية المطاف، يرجع المواطن لأحضان أمه ( النظام المستبد الفاسد) ولكن لكي يتربى في سجونها بين الأغلال والأصفاد على أمر اقترفه من آثار الضغوط والسلبيات. وفي نهاية المطاف أقول: فعلا ما أروعها من أم للشباب والأوطان!!

وإن لم يكن المواطن حبيس الأصفاد، يبقى حبيس أفكاره المظلمة، والمستقبل المشؤوم، ولا يلبث أن يبحث عن وسائل الراحة حتى ينسى الهموم ويخفف من وطأة الحال، من تغييب للوعي بالواقع الذي تبنته الأنظمة الفاسدة لشعوبها، إلى تغييب للوعي الوهمي في مزاولة المحرمات وتناول المسكرات وتعاطي المخدرات. وهذا المسكين الذي فقد وعيه ولم يستفق إلا ويداه مكبلتان بالأصفاد، لم يكن له الحظ الوافر من التعليم ومن معرفة الصحيح من السقيم، وأما البقية المتبقية فقد اختاروا مجبرين الغربة عن الأوطان وآثروا العيش بعيدا عن الأحضان، فلم يجدوا في أوطانهم إلا غربة العيش في ظل الألفة الجسدية، وأقدام على تربة وطن لم يشعروا فيه ولم يتذكروا منه إلا أيامه القاسية، وحياة مُدَويَة. وهكذا تغيب العقول النيرة، والمواهب الخلاقة، فيستفيد منها أصحاب العقول الواعية والبلدان الغربية، وما أن تلبث العواقب وعواصف الحروب تهدأ حتى تتم محاربة أوطاننا بعقول أبنائنا الذين سلبوا من أوطانهم على أيدي أنظمة الاستبداد المشؤوم.

وماذا يا ترى قولك بعد هذا الحال؟! نعم، إنه الإنهيار وزوال الاستقرار وضياع الأمن والأمان، فيزيد العنف وتزداد المهاترات، وتشتعل المظاهرات. ومن المواقف المضحكة والمثيرة للاشمئزاز هو موقف الأنظمة المستبدة باستغرابها مما يجري ويحصل في شوارعها وأحوال شعبها، فتقوم عبر وسائل إعلامها باستنكار وشجب حال المخربين والعقول المضلّلَة وأعمال العنف وتدمير المال العام، رغم أنه من الأجدى والأولى لها أن تفكر في أسباب غضب هذا الشارع والعمل على إصلاح الأمور. ولكن القلب أسود والعقل أجوف والعين عمياء، والأذن صماء، حتى تبقى محافظة على مصالحها الشخصية وتحقيق الرضى النفسي المشوه، وتحقيقا للمقولة الخالدة خاصته والتي تقول إن كل نظام مستبد وفاسد وكل صاحب عرش هو خالد مخلد لا موت له ولا فناء!!.

أحوال أوطاننا في ترد، والفساد في ازدياد، والشعوب في انهيار، والحروب في شتعال، والقتل والتهجير مستمران، والعدو في ابتسام يترقب، وأعيننا تتحسر، والقلب يتفطر، والموت أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو حق  كل المخلوقات إلا وجهه الكريم. وبعد هذا كله، ألا يعتبر من لا يعتبر.. من أصحاب القبور، ليس لهم من جاه ولا سلطان، ولا سند ولا أعوان، بل أنفَس ما لديهم هو قماش تُكفَّن به الأجساد، وتراب تُغطَّى به الوجوه. فيا أيتها الأنظمة الفاسدة المستبدة، إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.