شعار قسم مدونات

على السجاد الأخضر.. تمنيتُ لو يتوقف الزمن

BLOGS - المسجد النبوي

 كانت تمتمة النّساء تحدث صخبًا عاليًا جدًا، مئة امرأة أو يزيد يجلسن في مكان محدود يتبعن سيّدة تحمل في يدها لافتة مكتوب عليها (بلاد الشّام).. امتزج الصوت الفلسطيني بالأردني مع تناغم سوريّ و لبنانيّ حتى أحدث خليطًا لا يمكن أن يُفهم ، كلّ هذا قد زاد من توتّر اللحظة.

"الحين يا حجّات حندخل الروضة الشريفة ، الرجاء عدم التّزاحم و الصراخ ، صلّوا على رسول الله"
هكذا قالت القائدة، أنهت جملتها تلك و بدأ قلبي ينبض بسرعة ، شعرت به كأنه سيخترق جسدي و يخرج من شدّة هول اللحظة ، أنا على بعد أمتار قليلة من قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سأسلّم عليه و سيردّ السّلام ، كم هذا الأمر عظيم و ذو وقعٍ شديدٍ على نفسي ! 

سرت مع السّائرات ممسكة يد أمّي خوفًا من شدّة الازدحام ، كلّ خطوة أتقدمها يصاحبها علوٌّ في ضربات قلبي ، خطوة .. نبضة .. خطوة .. نبضة ، حتى توقفنا .
"وصلنا ،القبر خلف الجدار ، صلوا على رسول الله" .

ما إن أنهت القائدة جملتها تلك حتى علت أصوات النّساء ، و امتلئ المكان بالضجيج، لم أتمالك نفسي وجدتني أبكي، فأنا أمام قبره صلى الله عليه وسلم ، أمام من علمني كلّ شيء ، أمام القائد و القدوة، أما نبيّنا العظيم محمد!
 
شعرت بيد أمّي و هي تشدّ على يدي ثم قالت: قولي السلام عليك يا رسول الله، نشهد أنّك قد بلغت الرسالة، و أديت الأمانة، و نصحت الأمّة و كشفت الغمّة، و جاهدت في الله حقّ جهاده ،فجزاك الله عن أمّتك أفضل الجزاء وأحسنه.

تمنيت حقًّا أن يتوقف الزمن هنا و أن تدوم هذه اللحظة إلى الأبد، فالصفاء الروحي والذهني الذي شعرت به ستخذلني كلمات اللغة كلها في وصفه

أعدت ما قالت و القشعريرة تسري في جسدي من صيغة المخاطبة المباشرة بيني و بين رسولي ! 
كلّ خلية في جسدي كانت تردّد : نشهد .. نشهد .

تذكرت حديثه صلى الله عليه و سلم : "ما من أحد يُسَلِّم عليَّ إلا رَدَّ الله إليَّ رُوحي حتى أردَّ عليه السلام".

تخيلت المشهد ، رسول الله يردّ عليّ السلام ، ليس ذلك فحسب ، أنا هنا قريبة جدًّا لا يفصلني سوى خطوات عن قبره ، عن المكان المحبب إلى نفسه ، حجرة حبيبته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

مشيت كي أصل إلى السّجاد الأخضر الذي يدل على وصولنا إلى منطقة الرّوضة ، الجزء الوحيد من الجنّة الموجود على الأرض ، صليت بها صلاة لم تكن كأيّ صلاة ، على الرّغم من شدّة الازدحام و الإزعاج إلا أنّ فكرة وجودي على رقعة من الجنّة كانت كفيلة بمنحي مقدارًا كافيًا من الخشوع ، أنا في الجنة و قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم على جانبي ، هل هذا حلمٌ أم ماذا ؟ 

تمنيت حقًّا أن يتوقف الزمن هنا و أن تدوم هذه اللحظة إلى الأبد ، فالصفاء الروحي و الذهني الذي شعرت به ستخذلني كلمات اللغة كلها في وصفه .

خرجت من الروضة الشريفة و الراحة تسري في جسدي ، كنت أنظر كلّ دقيقة إلى الوراء كي تظلّ صورة المكان محفورة في الذّاكرة، المكان الذي خاطبت به حبيبي بصورة مباشرة للمرّة الأولى.

تابعنا المسير حتى وصلنا ساحة المسجد النبوي الشريف، كان الجوّ ربيعيًا و نسيم المدينة يداعب وجوه المارين برقّة بالغة، أغراني سحر المكان للبقاء فجلست في ساحة المسجد أصلّي على رسول الله و أتأمل وجوه المارّين و الراحة التي تسكنهم و انعكست على ملامحهم.

كلّ من زار المدينة المنورة يدرك أنّ لها سحرًا خاصًّا مميزًّا يجعلها قريبة جدًّا إلى النّفس .
ربّما هو سحر المكان و روعته، أو ربّما سحر الرّاحة التي يشعر بها المرء و هو على هذه البقعة من الأرض حيث أنّه لا يبعد سوى أمتار قليلة عن سيدّه و قدوته محمد صلى الله عليه و سلم.

في المدينة المنوّرة تغدو الأوقات أجمل والنفسية أجمل حتى الصمت أجمل ، كل شيء حتمًا سيبدو أجمل عندما يكون في حضرة الحبيب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.