شعار قسم مدونات

السيسي يجيب.. لماذا تصعب التسوية مع الطغاة العملاء؟!

مدونات - السيسي ونتنياهو
تعاني الأمّة، ببلادها المتعددة، من معضلتين مزمنتين مستحكمتين، وهما الطغيان والعمالة للأجنبي، فإذا وُضعت هاتان المعضلتان في سياق ركام الانهيار الطويل، الذي ترسّخ منذ قرن من الزمان، وكانت بداياته قبل ذلك بكثير، ثم إذا نظرنا إلى نتائج ذلك في واقعنا العربي، في كل مجالاته التي ينشط فيها الناس ويتحركون ويتدافعون، وإذا تبين لنا أن مصائرنا متلاحمة، وبالضرورة مصائر الطغاة العملاء مهما كانت تناقضاتهم، فإنّ المؤكد أن المسألة مع هؤلاء الطغاة العملاء عسيرة للغاية، ولا يمكن إنجازها في وقت قصير.

  

يمكننا أن نتخيل أن ذلك كلّه متضافر، ومتعلّق ببعضه، وأن عوامل أخرى كثيرة يمكن إضافتها ضمن ظروف الانحطاط المتراكمة، مما يزيد وقائع الاستحكام والانغلاق تعقيدا. إنّ هذا يعني باختصار أنّ افتتاح بداية حقيقية للنهوض من ركام الانحطاط لا بدّ وأن يُسبق بما يكافئ من حيث الثمن والوزن؛ ظروف الانحطاط وتعقيداتها الهائلة، أيّ لا بدّ وأن تأخذ المحاولات حظّها الكافي من الزمن والدماء والتضحيات، على قسوة ذلك وفداحته.

 

وإذا كانت مشكلة الطغاة العملاء متعلقة بتلك العوامل كلّها، فإنّ اقتلاعهم، أو إزاحتهم، وما يتلو ذلك، لا بدّ وأن تكون مريرة، ومحفوفة بكل الفظاعات التي نعيشها الآن، إنّهم واجهة القبح الذي يخنقنا منذ عقود، لكنهم متلاحمون بكل ذلك القبح، ولا سبيل لنا، إلا أن ننغمس في المحاولة، بالرغم من كل ما عانيناه، وسوف نعانيه، طالما أن التسوية مع الطغاة العملاء مستحيلة.

 

القول إنّ التسوية مع الطغاة العملاء مستحيلة هو محض انعكاس مجرّد ودقيق لتاريخنا، وواقع حالنا، مهما كانت انحيازاتنا ورغباتنا، بكلمة أخرى، هذه هي الكلمة الوحيدة الدقيقة والصادقة التي يمكن قولها للتعبير عن أزمتنا مع هؤلاء، وإلا كيف لنا أن نقرأ العقود التي مرّت كلّها، دون أن تنفتح نافذة واحدة مبشّرة بحق بإمكانية التسوية معهم. المؤكّد أن الإنسان السوي لا يرغب بدفع هذه الفاتورة الباهظة من التضحيات والآلام، إلا أن الطغاة العملاء لا يبقون حتى للأحلام منفذا.

 

تحليل سلوك الحاكم العربي، والذي هو عنصر من جملة عناصر أزماتنا المتراكمة والمتلاحقة والمتلاحمة، يحتاج إلى عدد من الأدوات الكفيلة بالإحاطة بدوافعه وطبائعه ومتعلقات سلوكه، لكن يكفي الوقوف عند صفتي الطغيان والعمالة اللتين يتصف بهما، وتحدّدان سلوكه جوهريا أكثر من أي اعتبار آخر. إلا أنّه وللدقّة والأمانة، فإنّ ثمة فرقا في الدرجات بين الحكام، بما في ذلك أولئك، الذين احتاجت الأمة عقودا طويلة للتخلّص منهم، وبطرق استثنائية ليست من طرق التسوية في شيء، أي كما حصل مع بن علي ومبارك والقذافي وصالح، فهؤلاء كلهم يشتركون في صفات الطغيان والفساد، على تفاوت نسبي، وعلاقة بعضهم بالغرب والقوى المتحكمة، قد تدخل في ما يمكن اعتباره وجهات نظر، ولعب على التوازنات، فإذا كان هذا حالهم، فكيف بمن فاقهم في الطغيان والعمالة للأجنبي؟!
 

مخلوق متضخم في أفحش صفتين يمكن أن ينحطّ إليهما الإنسان، وقد رتّب خلال السنوات الماضية منذ الانقلاب وحتى الآن، أدوات القوّة كي لا يقترب منه أحد، كيف له أن يفتح نافذة ولو ضيقة للديمقراطية؟
مخلوق متضخم في أفحش صفتين يمكن أن ينحطّ إليهما الإنسان، وقد رتّب خلال السنوات الماضية منذ الانقلاب وحتى الآن، أدوات القوّة كي لا يقترب منه أحد، كيف له أن يفتح نافذة ولو ضيقة للديمقراطية؟
 

لو أخذنا السيسي نموذجا لتوضيح المقصود، فسوف نلاحظ فيه تضخم صفتي الطغيان والعمالة للأجنبي، والأجنبي المقصود في هذه الحالة بشكل محدّد، هو الكيان الصهيوني، أي أكثر الأعداء الذين تتخذ منهم الأمة موقفا جذريّا، وعلى نحو يمكّننا من القول إنّه العدوّ المطلق، فكلّ عدوّ آخر نسبيّ، وإن حاول حلفاء السيسي الآن، في بلاد عربيّة أخرى، إقناعنا بأن "إسرائيل" لم تعد عدوا! والحقّ أن السيسي في حالته المتضخمة ليس فردا، وإنما هو عنوان كبير على المرحلة الماضية كلّها بخفاياها، إذ كان لا بدّ وأن تنكشف طبائع الدولة العربية بأنظمتها الطغيانية العميلة في صورة كاريكاتورية، تبدو مغرقة في المبالغة، ولكنها حقيقية جدّا، والحاصل أن مسار الاهتراء كان لا بدّ وأن يصل للسيسي، إلى صورة فاحشة التشوّه والقبح ولكنّها حقيقية.
   
ومن جهة أخرى فإنّ هذا الأخير عنوان على طبقة كاملة راهنة في بعض البلاد العربية، تشاركه الطغيان والعمالة للعدوّ نفسه، الآن من الواضح أن ترمب رئيس البيت الأبيض وصهره كوشنير يصوغان هذه الطبقة ويحركان زعماءها لصالح اليمين الإسرائيلي، ومن جهة ثالثة فالسيسي عنوان على واقع الدولة المصرية، إذ كيف يمكن لدولة روّجت عن نفسها لعقود خطابا شديد الاعتداد والادعاء، تقبل أن يتسيّدها رجل بهذا القدر من التشوّه والافتضاح.

  

أمّا طغيان السيسي، فلم يعد محلّ نقاش، وكانت تكفي مجزرة رابعة كي يفيق الحمقى، ولكن "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، وأمّا العمالة لـ "إسرائيل" فقد كانت واضحة منذ ساعة انقلابه الأولى، وهي عمالة متضخمة وغير مسبوقة في تاريخ الصراع مع "إسرائيل"، لكنّ عمى القلوب طال الكثيرين في هذه أيضًا.

  

مخلوق متضخم في أفحش صفتين يمكن أن ينحطّ إليهما الإنسان، وقد رتّب خلال السنوات الماضية منذ الانقلاب وحتى الآن، أدوات القوّة كي لا يقترب منه أحد، كيف له أن يفتح نافذة ولو ضيقة للديمقراطية؟ هل يمكن أن يضع قدمه على أوّل خطوة إلى حبل المشنقة؟ لكن وهو بهذا القدر من الوضوح والتضخم، ينبغي ألا يحتاج عميان القلوب إلى مَثَل أكثر تضخما للإجابة على سؤال استحالة التسوية مع الطغاة العملاء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.