شعار قسم مدونات

وماذا بعد اعتقال عنان؟

blogs سامي عنان

شكل إعلان الجنرال سامي عنان القائد السابق لأركان الجيش المصري الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر أملا لكل من زالت عن بصره الغشاوة، فلم ير في حكم السيسي إلا النكوص والفشل والتردي في الأوضاع على كافة الصعد؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ها هو ذا مرشح للرئاسة كان قد ارتقى إلى أعلى المناصب في قيادة المؤسسة التي لها القول الفصل في مسألة المنصب الأهم في الدولة، لذا سيكون خصما لدودا للسيسي في سباق الرئاسة.

 
ونحن نرى أن هذا الأمل لا يقوم على أساس صحيح؛ لأنه يفترض أن مجرد الانتماء للمؤسسة العسكرية يعطي صاحبه الأفضلية لدى الشعب أو الجيش، وكلا الأمرين ليس من الصحة في شيء. أكبر الأوهام التي لقيت رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة أن الشعب المصري يفضل رئيسا له صبغة عسكرية لأنه الأكفأ والأقدر على الحكم. ولكن دعوى الكفاءة ينقضها كل مقياس صحيح لها في الدولة المصرية منذ آل الحكم إلى العسكر حتى هذه اللحظة، وظني أن هذا الوهم ليس أكثر من إشاعة رسختها الدعاية المنتفعة من المؤسسة العسكرية إبان التحضير للانقلاب على السلطة المدنية الشرعية، وقد تلهجت بها ألسنة البسطاء من الشعب المصري بفعل الدعاية والإشاعة إلى حين.
 

أما التعويل على دعم المؤسسة العسكرية لمنتسبيها السابقين إذا ترشحوا للرئاسة فهو وهم كبير أيضا، وقد أسست لهذا الوهم نظرة مبالغ فيها لطبيعة فعالية الجيش في الدفع بمنتسبيه إلى منصب الرئاسة، فليس ثمة دولة عميقة بمعنى الكلمة في مؤسسة الجيش المصري، ولا وجود لدلالة مقنعة عليها، ولكنها مؤسسة لها ما لمثيلاتها في الدول التي تفتقر للتجربة الديمقراطية من التأثير في اللعبة السياسية، وهو لا شك تأثير كبير جدا، وإذا كان للعسكر دور في هذه اللعبة فلأنهم على رأس السلطة الأقوى والتي تؤمر فتطيع، فما بالك بدولة ليس لها تجربة سياسية جدية منذ قيام الجمهورية، اللهم إلا الشروع بتجربة بعد ثورة 25 يناير قد تم وأدها في مهدها.

 

لا شك أن السيسي يراهن على ولاء القيادات العسكرية وأصحاب المنافع المتبادلة من إعلاميين وسياسيين ورجال أعمال، وكذلك راهن سلفه حسني مبارك

ومن هنا كان الرهان على عنان خاسرا؛ لأنه ببساطة قد غادر منصبه منذ زمن، حاله كحال الفريق المتقاعد أحمد شفيق، كان من الممكن أن يكون رهانا رابحا لو كان قد خلف بعده ولاءات في المناصب القيادية في الجيش، وهو أمر مستبعد، حتى لو فعل كذلك فليس ثمة أيسر من التخلص من هذه الولاءات بالاستبدال.

على هذا نفهم كيف وصل إلى الرئاسة رجل مثل السيسي في ضحالة الرأي ومحدودية الأفق وضعف السياسة، ولولا المصادفات والظروف المواتية لما وصل بكفاءته إلى أدنى المناصب السياسية. نحن أمام رجل بلغ به ضعف الرأي أن صرح بإقصاء كل من يفكر جديا بمنافسته في سباق الرئاسة إلى حد أنه لا يبالي حتى بحبك مسرحيات هزلية لاستبعاد منافسيه، كأنه يتعمد استعداء شعبه عليه.

لا شك أن السيسي يراهن على ولاء القيادات العسكرية وأصحاب المنافع المتبادلة من إعلاميين وسياسيين ورجال أعمال، وكذلك راهن سلفه حسني مبارك فما أغنت عنه شيئا حين آن أوان الثورة. إذا هي الثورة ولا خيار آخر للشعب المصري إذا أراد حكومة رشيدة وخبزا وحرية وكرامة إنسانية، لكن السؤال الكبير هنا: هل تعلم الشعب الدرس فلا يفرط في تجربته الديمقراطية تحت كل الظروف ومهما كانت التضحيات؟ 

في الحق إن جريرة الانقلاب على محمد مرسي لم تلحق بالإخوان المسلمين فحسب -كما بدا لكثير من معارضيهم- بل لحقت بالشعب والثورة والأمل في التغيير. يبقى عزاؤنا أن ثورة 25 يناير وإن ظن الطغاة أنها وئدت وذهبت إلى غير رجعة إلا أنها لا تزال كالجمر؛ كلما هبت عليها رياح الفقر والظلم والاستبداد اشتعلت نارا لا قبل للطغاة بها، ولقد قال جورج واشنطن: "عندما تتأصل جذور الحرية تصبح سريعة النمو".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.