شعار قسم مدونات

غاب القط.. العب يا فار

blogs - boss
يحدث في كل مؤسسة أن ترى مجموعة من المتسلقين يحيطون بالمدير من كافة أطرافه، عن يمينه وشماله، لا يتركون له حرية التفكير والاختيار لوحده، يدخلون في كل التفاصيل وبكافة الطرق المتاحة، محاولين ألا يدعوا له مجالا للذهاب بعيدا عما يريدون ويخططون. المدير الضعيف هو من يجعل هؤلاء يعبثون بمؤسسته وأعماله، ويترك لهم المجال لتنفيذ مخططاتهم بدل أن يفرض خطته التي تعبر عنه وعن رؤيته للمؤسسة، والتي يضعها بناء على احتياجات المؤسسة وقدراتها ومواردها.
  
هذا المدير الضعيف يتكرر في أكثر من مكان وبعدة أشكال، فالضعف هنا ليس ضعف شخصية فقط، وإنما متعدد الأوجه، فربما يكون ضعف تحمل للمسؤولية، أو ضعف اهتمام أو رغبة في إدارة المكان بشكل عام، أو ضعفا في توفير الوقت اللازم. وهنا تأتي الفرصة للقريبين من المدير بممارسة أدوارهم في الحصول على أكبر حجم من المنافع والامتيازات، والتي ربما تكون شخصية بحتة، كترقية أو بدل سكن أو سيارة، أو مهنية كترأس لجنة أو إدارة ملف هام أو غيره، وهي في النهاية كلها مكاسب تجعل المرء أقرب لتحقيق طموحاته ورغباته بعيدا عما يريده المدير أو إدارة المؤسسة، وإن اتفقا في بعض النقاط.

  

يتجلى دور القائد  في الاستفادة من مهارات الجميع للوصول إلى الهدف المنشود. أما إن غاب القبطان وأراد كل عضو في الفريق أن يوجه السفينة بطريقته الخاصة، ولوجهته التي يريد؛ فهنا تأتي الطامة

كثرة المتسلقين في المكان الواحد تحيله إلى حلبة صراع على السلطة والنفوذ، وتجعله أقرب إلى العمل السياسي من العمل الإداري، فتكثر المؤامرات والاجتماعات الخاصة والثرثرات والإشاعات، والتي تجعل المكان وكأن جنيا مسه بسوء، أو سوط كهرباء ملأه ارتجاجا. هؤلاء المتسلقون ليسوا سيئين بطبيعتهم، وإن كان بعضهم كذلك، ولكنهم يحاولون لعب أدوار أكبر منهم، ولبس أثواب فضفاضة عليهم تجعلهم يحصلون على أكثر مما يستحقون، وأفضل مما يحصل عليه غيرهم، مما يمكنهم من توجيه دفة المؤسسة في المستقبل كما يريدون.

 

ما ينبغي على القائد أو المدير الجديد التزامه للحيلولة دون الوقوع في هذا الأمر، هو الدخول إلى المكان برؤية واضحة لقيادته، أو العمل الجاد خلال الفترة الأولى للوصول إلى هذه الرؤية، من خلال تجميع البيانات وتحليلها، واستشارة المعنيين، والبدء ببلورة صورة متخيلة عن المؤسسة بعد عدة سنوات، من خلال التأمل بعيد المدى، والإبحار في المستقبل واستشرافه، وتكهن شكل السوق والأعمال والتقنية والسياسة والحدود وغيرها من المؤثرات التي ستؤثر في مؤسسته في ذلك الوقت. وهي عملية مستمرة باستمرار المؤسسة واستمرار التغيرات من حولك.

  

هذه العملية ليست سهلة بالتأكيد، وهي مجهدة وشاقة، خاصة على أولئك الذين يخوضونها لأول مرة، ولكنها ضرورية بامتياز لوضع بصماتك ولمساتك على المكان الذي تديره، فبدونها ستتعدد البصمات، ويصبح المكان متشوه الهوية والشكل، كل يريده بلون مختلف وشكل آخر، وأنت لا تدري ما اللون أو الشكل الذي تريده.

     

القائد التحويلي صاحب الرؤية الثاقبة الواضحة، والعامل على تحفيز فريقه وتجميع الطاقات والموارد للوصول إلى الأهداف الموضوعة والمحددة بعناية من قبله بالتشارك مع فريق العمل.
القائد التحويلي صاحب الرؤية الثاقبة الواضحة، والعامل على تحفيز فريقه وتجميع الطاقات والموارد للوصول إلى الأهداف الموضوعة والمحددة بعناية من قبله بالتشارك مع فريق العمل.

 

بعض القادة لا يمارس دوره بشكل جيد، وإنما يأخد وضعية "عدم التدخل" أو "دع الأمور تسير"، كما يصفها عالم الإدارة الشهير "باس" (BASS) في نظريته حول القيادة التحويلية بمصطلحها الفرنسي "Laissez- Faire"، وهي تمثل غياب القيادة تماما، وانحياز القائد إلى عدم التدخل في العمل، وتعليق الأمور والقرارات، فلا هي مدارة من قبله، ولا هي مفوضة لغيره بشكل جيد، مما يفتح أبوابا لمن هم دونه في السلم الوظيفي للعبث والتدخل ومحاولة توجيه الدفة إلى حيث يريدون. وذلك على العكس تماما من "القائد التحويلي" (Transformational Leader) صاحب الرؤية الثاقبة الواضحة، والعامل على تحفيز فريقه وتجميع الطاقات والموارد للوصول إلى الأهداف الموضوعة والمحددة بعناية من قبله بالتشارك مع فريق العمل.

  
في السفينة أو الطائرة قبطان واحد، مع فريق متكامل ومتعدد المهارات، ويتجلى دور القائد في الاستفادة من مهارات الجميع للوصول إلى الهدف المنشود. أما إن غاب القبطان أو غط في نوم عميق، وأراد كل عضو في الفريق أن يوجه السفينة بطريقته الخاصة ولوجهته التي يريد؛ فهنا تأتي الطامة وتحدث الكارثة، وربما تنتهي السفينة في مكانها و لا تصل إلى غايتها أبدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.