شعار قسم مدونات

اتفاق أوسلو.. كيف بدأ؟ وكيف انتهى؟

blogs اتفاقية أوسلو

لم يكن أتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل مجرد اتفاق مرحلي، بل كان نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني، مرحلة شهدت العديد من التطورات على الساحة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية، فالاتفاق الذي لم يدوم طويلاً، إلا أنه يعتبر أهم حدث سياسي فلسطيني خلال العقدين الماضين، نظرًا لتداعيات والتطورات التي ترتبت عليه.

إرهاصات أتفاق أوسلو

تكون وضع دولي جديد في بداية فترة التسعينيات إثر انهيار موازين القوى عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، وحدوث انقسام في الموقف العربي بعد أزمة احتلال العراق للكويت وتأييد منظمة التحرير الفلسطينية للموقف العراقي، وما نتج عنها من ضعف للتضامن العربي، وفرض حصار مالي وسياسي على منظمة التحرير بسبب مواقفها من الأزمة، حيث انعكست كل المتغيرات الدولية والإقليمية على القضية الفلسطينية وعلى منظمة التحرير وجعلتها تسير في ركب التسوية.

أتاحت سنة 1991م، فرصة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة خطتها المتعلقة ببدء عملية سلام ناجحة في الشرق الأوسط، وفي هذا الشأن جاء في تقرير لمعهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، في أعقاب عاصفة الصحراء تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية حيازة نقاط قوة فريدة، منتصرة في حرب الخليج الثانية مكنتها كقوة عظمى وحيدة أن تحقق أكثر مما حققته في الماضي. لذلك استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الذهبية، ونظمت مؤتمراً دولياً للسلام في مدريد عام 1991، وفي هذا المؤتمر تحدثت إسرائيل فيه مع جيرانها العرب لأول مرة، وقد حضر الفلسطينيون أيضاً ولكن مقابل تنازلات هائلة، وكانت رؤية الإدارة الأمريكية لعملية السلام في الشرق الأوسط مبنية على ضرورة إيجاد حلًّ ما للصراع العربي-الإسرائيلي، خاصةً وأن منظمة التحرير التي حملت لواء الكفاح المسلح ضد إسرائيل لعقدين ونيف من الزمن، تمّ ترويضها وإلحاقها في عربة التسوية السلمية التي انطلقت في مدريد عام 1991م.


توقيع اتفاق أوسلو
يعتبر اتفاق أوسلو، أول اتفاقية سياسية يتم توقيعها بحضور دولي، بين منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبين حكومة إسرائيلية

كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تدرك جيداً حدود اتفاق أوسلو، لكنها رأت أن لا خيار أمامها إلا القبول به، فقد ضعف وضعها كثيراً في عصر ما بعد الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية، فتصالحت عن وعي تام مع إسرائيل وضمنت لنفسها موطئ قدم فوق التراب الفلسطيني قبل أن يتعرض وضعها الإقليمي والدولي لمزيد من الضعف والتردي، فبعد عدة جولات من التفاوض السري المباشر، والغير مباشر، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية في الثالث عشر من أيلول 1993 على اتفاق "إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي.. أوسلو"، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، ووقع الاتفاق عن الجانب الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" وعن الجانب الإسرائيلي وزير الخارجية شمعون بيريس، كما وقعه بصفتهم شاهدين – وزيرا خارجية الدولتين الراعيتين لعملية السلام، "أندريه كوزيريف" عن روسيا الاتحادية، "وارين كريستوفر" عن الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يراقب مراسم التوقيع من خلف المنصة، كللٌ من الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، والزعيم الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين".

ويعتبر اتفاق أوسلو، أول اتفاقية سياسية يتم توقيعها بحضور دولي، بين منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبين حكومة إسرائيلية، وتبع هذا التوقيع، الاتفاق على بروتوكول باريس، وهو الاتفاق الاقتصادي الذي وقع في 29 نيسان/ابريل 1994م؛ ومن ثم اتفاق "غزة أريحا" الذي وقع في القاهرة بتاريخ 5 أيار/ مايو 1994؛ فالاتفاق التمهيدي بشأن "نقل السلطات والمسؤوليات" الموقع عند حاجز "أيرز" بين غزة وإسرائيل، وقد تألف إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي (أوسلو) من سبعة عشر مادة، وأربعة ملاحق "إضافة إلى محضرين تفسيري لبعض مواد الإعلان، وحدد في مادته الأولى، هدف المفاوضات في إقامة" سلطة ذاتية انتقالية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338. وبذلك تكون اتفاقية اوسلو قد أكدت المرجعية القانونية والسياسية التي تقوم عليها أسس التسوية السياسية بين الجانبين.

تداعيات اتفاق أوسلو

يعتبر التوقيع على اتفاق أوسلو نهاية مرحلة وبداية لمرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني، مرحلة اعتمد فيها النضال السياسي والدبلوماسي محل الكفاح المسلح، حيث نتج عن الاتفاق بشكل فعلي انهاء انتفاضة الحجارة الفلسطينية التي انطلقت في نهاية 1987، والتي أعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وللقضية الفلسطينية، فقد هيأ اتفاق أوسلو والاتفاقات الفلسطينية -الإسرائيلية التي تلته، وما سبقه من مفاوضات علنية وسرية، لتحولات واسعة في الحقل السياسي الفلسطيني، لعل أبرزها قيام سلطة وطنية على جزء من إقليمها الفلسطيني.

واعتمد المفهوم السياسي لاتفاقية أوسلو على الافتراض بأنه ليس بالإمكان إيجاد حل متكامل لجميع القضايا السياسية المختلف عليها، وذلك لتشابكها مع مسائل قومية مؤلمة وحساسة بالنسبة للطرفين، فاقترحت اتفاقية أوسلو حلاً جزئياً كممر يمهد الطريق للحل الدائم، المتمثل بدولتين لشعبين، ورأى السيد أحمد قريع أن اتفاقية أوسلو بمثابة محصلة موضوعية لميزان قوى، ذاتية، إقليمية ودولية، تقدم الفلسطينيون عبره عتبة التاريخ إلى حيّز الجغرافيا.

بعد انسداد أفق التسوية عقب صعود اليمين الإسرائيلي لسدة الحكم في إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين عام1995م-، حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات الضغط على إسرائيل من خلال إصراره على إطلاق انتفاضة الأقصى
بعد انسداد أفق التسوية عقب صعود اليمين الإسرائيلي لسدة الحكم في إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين عام1995م-، حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات الضغط على إسرائيل من خلال إصراره على إطلاق انتفاضة الأقصى
 

وخلقت اتفاقية أوسلو ثلاث حقائق موضوعية مهمة، يمكن عدّها على النحو التالي:

الأولى: أنها مكنت الشعب الفلسطيني من إقامة كيانه السياسي لأول مرة على أرض فلسطينية، ووضعت بين يديه سلطات وصلاحيات سياسية ومدنية وإدارية واقتصادية وأمنية وتشريعية وقضائية لا حصر لها. 
الثانية: أنها أوجدت أرضية ملائمة لإدامة الكفاح الوطني الفلسطيني، بعد غلق الأبواب والحدود والعواصم، وانسداد السبل والدروب أمام الشعب الفلسطيني.
الثالثة: إنها خلقت أملاً لشعب كاد يفقد الأمل بأن الاحتلال سوف يتزحزح يوما ما من مكانه.

"قيس عبد الكريم" نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، أعتبر أن الاتفاق تتويجاً لجهود الولايات المتحدة في المنطقة، فقد توّجت اتفاقيات أوسلو جهود الولايات المتحدة على امتداد عقدين من الزمن لاحتواء الحركة الوطنية الفلسطينية، وجذب اليمين ويمين الوسط بزعامة القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد "تأهيلها" إلى التسليم بالعناصر الرئيسية للرؤية الإسرائيلية – الأمريكية في حل المسألة الوطنية الفلسطينية في ظرف شهد انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال التوازن الإقليمي في المنطقة، بفعل حرب الخليج الثانية وانهيار التضامن الرسمي العربي، وكانت الفصائل الفلسطينية المعارضة لمشروع الحكم الذاتي هي الأسرع في التعبير عن مواقفها الرافضة لاتفاق "أوسلو"، فما إن كُشف النقاب عن مشروع الاتفاق حتى أصدرت الفصائل الفلسطينية العشرة "جبهة الرفض" إثر اجتماعٍ عقده أمناؤها العامون في دمشق عقب التوقيع على "أوسلو"، بياناً اعتبر أن مشروع الاتفاق وملحقاته، ما هو إلا انصياع كامل للمقترحات الأمريكية والإسرائيلية المعبر عنها منذ سنوات، بالحل عبر الحكم الإداري الذاتي المتجاوز كلياً للحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.

كيف انتهى أوسلو؟

جاءت انطلاقة انتفاصه الأقصى في 28 سبتمبر 2000م كتعبير عن وصول عملية السلام لطريق، بعد أن سعى اليمين الإسرائيلي لتعطيل عملية السلام ووقف اتفاق أوسلو، مستغلاً العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية في قلب إسرائيل، فبعد انسداد أفق التسوية عقب صعود اليمين الإسرائيلي لسدة الحكم في إسرائيل بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995م-، حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات الضغط على إسرائيل من خلال إصراره على إطلاق انتفاضة الأقصى ودعمها بالمال والسلاح بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى المبارك عام 2000م.

لقد شكل اندلاع انتفاضة الأقصى لنهاية عملية لمسار أوسلو، بعد فشل مؤتمر كام ديفيد عام 2000م في منح هذا المسار أخر فرصة ممكنة. لكن رغم كل ما يُقال عن اتفاق أوسلو، يظل هذا الاتفاق هو الإطار القانوني الوحيد الذي جسد الكينونة الفلسطينية وسمح للشعب الفلسطيني أن يحكم نفسه على جزءٍ من الأراضي الفلسطينية، وسمح أيضاً بإنشاء أول سلطة وطنية فلسطينية على طريق الدولة، فقد حقق اتفاق أوسلو رغم ما يعتريه من أزمات جزءاً من العودة، فهو الوثيقة الوحيدة التي اعترفت فيها دولة الاحتلال بحقوقنا السياسية كشعب مثل باقي شعوب العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.