شعار قسم مدونات

كفانا مضغاً لنُفايات الأممْ!

BLOGS كتب قديمة

نحن أمة بدأت عظيمة بهُدى الله تعالى ورحمة النبي وعدله بين العرب، وأما اليوم.. فهذه الأمة تُحارب ويحاول الآخرون اجتثاث هذه الأمة من ثقافتها وسَلخِها من جذورها، وحقيقة الأمر أن تلك المحاولات ليست في عهدنا فقط، بل هي محاولات منذ مئات السنين، منذ سقوط الخلافة في الأندلس، على يد الاستشراق الأوروبي، بعدما باءت أكثر من أربع محاولات حربية فاشلة، فقرروا غزونا في عقر دارنا بأن يكسروا ثقافتنا ويُهشموا ديننا وهويتنا، وفتح المسلمون علمهم لتلك العقول الكافرة حتى تنهل من علمهم وهم متسامحون بصدرٍ رحب، كتائب من الطلبة المسيحين أخذوا في طلب العلم في الأندلس ويرسلوا معلوماتهم للمسيحين.

 

واستمر الوضع هكذا لسنين حتى قرر الاستشراق أنه قد حان الوقت لغزو الأندلس، وارتكب المسيحيون في ذاك الغزو أبشع المجازر الدموية عبر تاريخ البشر، قد يبدو كلامي غريبا بعض الشيء، ولكن.. من ذاك الحين وأعداء الإسلام اتخذوها قاعدة وهي غزو العالم الإسلامي من الفِكر والمعتقد والهوية والثقافة.. حتى في عهد محمد على (سرششمة) الملقب بالبك الكبير، ذلك الأمى شارب الشيشة، الذى وضع الاستشراق الفرنسي له خطة ممنهجة جعلتنا نعتقد أن الحركة الوهابية – التي كانت تطمح لنشر المذهب الإسلامي والسنة النبوية – حركة سيئة، مروراً برفاعة الطهطاوى إلى طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي الذى وضع كلام المستشرق اليهودى (مرجليوس) بالنص في كتابه (فى الشعر الجاهلى) لك أن تتخيل، ومن ذلك الفعل فتح طه حسين باباً على مصراعيه تقذف منه الأمم الأخرى قذائف البهتان علينا، ولا زالت تقذف، وتأثر بطه حسين الكثير والكثير من طلبة كلية الآداب في ذلك الحين ولا زِلنا نعانى من تلك الأفكار إلى يومنا هذا.

الشاهد من ذلك أن هناك عُراة من ثوب الإسلام، ويرتدون أثواباً بالية خرقاء تقذفها لهم أوروبا وأفكارها المتعفنة ويزينوها بحُلى الكلام مثل: تجديد الخطاب الديني .. العلمانية.. الحداثة.. العلم والتطور.. الخ، وينحدر الجيل ولنَقُل بالأحرى تنحدر الأجيال عن هويتها، ويمضغون نفايات الأمم الأخرى، ونحن نمضغ ونأكل ونشرب سمهم ونقول: ياله من عسلٍ لذيذ.

إنك ترى أهلاً ليسوا أهلك هم العظماء، ولا تلتفت إلى عظماء أمتك، والأمم المحترمة هي التي تُبرِز عظماءها وتزيدُ من قدرهم وتبجيلهم حتى يناهضوا عزيمة الأجيال القادمة

وتلك القاعِدة تُطبّق علينا بمدار تعاقب الليل والنهار، والجيل لا يفهم شيئا ولا يُراد منه الفهم، ولم يقتصر الغرب عند هذا وفقط، بل قاموا بإبراز علماءهم لنا وادعاءهم أنهم هم أصل الحضارة والعلم وقتل المعنى الأسمى لعظمائنا، ونحن نصدق، ومما لا يعلمه الكثير منا أن إدمان معرفة علماء الغرب وعدم الانشغال بعظماء أمتنا يبعث في القلب الخمول واليأس واضمحلال الثقة في النفس، وعلى النقيض فإنه يبعث في قلب أعداءنا الثبات والثقة، ولا زال الاستشراق يقوم بدوره تجاههم حتى يوصل لهم رسالة مغزاها نحن متقدمون ومتحضرون بينما العرب متخلفون طوال عمرهم .. ولم نتخلص بزماننا بعد من غزاة التاريخ الذين زوروا ولا زالوا يزورونَ حتى يَحطّوا من قيمة عظماءِنا وقتل تاريخِهِم.

وهناك حسرة عارمة فهناك الكثير والجُلّ منا يستسهل ارتداء الآراء الفاسدة التي تُصنع لهم صُنعاً، فإنك ترى أهلاً ليسوا أهلك هم العظماء، ولا تلتفت إلى عظماء أمتك، والأمم المحترمة هي التي تُبرِز عظماءها وتزيدُ من قدرهم وتبجيلهم حتى يناهضوا عزيمة الأجيال القادمة، وها هم أبناء من هذه الأمة يعتنقون دينها ويرتدون رداءها ويتحدثون لغتها، لكنهم وللأسف أعداؤها، ويحاربونها سواءً كانوا مُستأجرين، أو يقولون قولهم معتقدين أنه الحق، ولكن سنة الله لا تبديل لها.

 

ولم ولن تتغير في هذه الأرضْ، فلا زالت هناك بعض الجُذُور النفيسةْ في هذه الأمة التي توحى ببصيص الأمل ونزعة نهار النصر، ولنعتبر بصلاح الدين الأيوبي، فهو لم يكن نبتة في الصحراء خرجت هكذا، بل هو كان نتاجاً لكفاح طويل كآلب أرسلان وعماد الدين زنكى ونور الدين محمود وغيرهم، فوجود مثل هذه الجذور التي لا زالت تعض على دينها، وتقبض عليه كالقابض على الجمر -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – تنبت ويخرج من تحتها مُسلحون بالعزيمة والثقة، ومن تلك الجذور يخاف الغرب، لذلك يحاربونهم بشتى السبل وكافة الطُرق، وهذه الأمة منصورةُ بهؤلاء المستضعفين، فالأيام كُلما صعُبَت أنتجت رجالاً أشداءً، كما يجرى دوماً قول التاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.