شعار قسم مدونات

حكومة "تكنو شيعية" بمساع "صدرية"!

BLOGS الشعب العراقي

أيام معدودات متبقية لرئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق أو ما يسمى حاليا المجلس الأعلى الإسلامي، بعد أن تغير اسمه الذي أُسس عليه في إيران، عبد المهدي المدعوم من اليمين الشيعي، وخصوصا تحالف الفتح المكون من عدة فصائل منضوية في هيئة الحشد الشعبي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يسعى إلى كسب ود إيران بتقاربه مع الفتح، وزعيمه هادي العامري وكسب ورقة المجلس الأعلى أو ما تبقى منه بعد دعمه ترشيح عبد المهدي وبقوة عبر آلية تجاوزت دستورية الكتلة الأكبر والجدل حولها كما أن الصدر كسب ود دول عربية وإقليمية بل وحصل على دعمها طيلة فترة ما قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحتى الآن بفضل زعامته لتيار شعبي واسع وتبنيه خطابا إعلاميا لا يشبه أقرانه من قياديي الأحزاب الشيعية ذات الأجنحة العسكرية المسلحة.

 

الصدر وبعد انتخاب رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان ونواب الأخير عبر المحاصصة الطائفية والقومية ومشاركة كتلته بالحصول على منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب قرر مغادرة المحاصصة ومنح رئيس الوزراء المكلف الذي يدعمه هو باختيار كابينته الوزارية دون الرجوع إلى الكتل والأحزاب السياسية، وأيده بذلك حليفه هادي العامري رئيس تحالف الفتح.

 

قرار زعيم التيار الصدري لم يتوقف عند كتلته "سائرون" وحلفائها فحسب، بل ذهب إلى مطالبة السنة والكرد عبر تغريدات على حسابه بتويتر إلى مغادرة الطائفية والقومية والمحاصصة وترك رئيس الوزراء يختار كما يشاء من أي جهة يريد سبقها بتغريدات دعا فيها عبد المهدي إلى حصر الوزارات الأمنية والحساسة به واختيار من يراه مناسبا للمنصب، وطالب أيضا من البرلمان أن يبتعد عن المحاصصة والطائفية في اختيار اللجان، حيث يبدو أن الصدر وجميع قيادات وأحزاب اليمين الشيعي في العراق لديهم خطة لتغيير نسب المكونات الأخرى للمجتمع العراقي في البرلمان والحكومة وجميع مؤسسات الدولة.

 

قوة الأحزاب اليمينية الشيعية وقوة دعمها وضعف وانقسام الأحزاب السنية والكردية وانعدام دعمها مكَّنها من فرض شروطها وحكومتها التي تريد على الجميع

كما يرى برلمانيون وسياسيون حاورتهم بهذا الشأن، وأكد لي أحد السياسيين أن القيادات الشيعية خيرت القيادات السنية بين القبول بأربع وزارات فقط من بين اثنتين وعشرين وزارة وبين الذهاب إلى المعارضة والقبول بحكومة أغلبية، وأوضح هذا السياسي أن الأحزاب السنية منقسمة بين من يريد الدخول بالحكومة والحصول على مناصب بأي شكل من الأشكال وبين من يبحث عن توازن بسيط على الأقل في الحكومة والهيئات المستقلة فيما وضع الكرد أمام القبول بثلاث وزارات فقط أو اختيار مصير مشابه لمصير السنة في الحكومة المقبلة.

 

قوة الأحزاب اليمينية الشيعية وقوة دعمها وضعف وانقسام الأحزاب السنية والكردية وانعدام دعمها مكَّنها من فرض شروطها وحكومتها التي تريد على الجميع بالمقابل يرى اللاعبون الدوليون أن القبول بالأمر الواقع والتعامل مع القوي هو الراشح والخيار الأمثل لاسيما أن الجميع جهزوا ملفات شركاتهم الاستثمارية للبدء بتوقيع عقود الاستثمار مع الحكومة الجديدة فور تشكيلها إضافة إلى أن معظم أولئك اللاعبين سواء الإقليميون أو الدوليون متأكدون من أن طهران تسير الأمور في هذا الوقت، ولا يمكن لهم سوى الاعتراف بذلك والتعامل مع على أنه غير موجود والاقتناع بالتعامل مع من يديرون زمام الأمور في الظاهر على أنهم عراقيون وهم أصحاب الحل والعقد، ووفق ذلك يتم التعامل دون الاكتراث إلى خلفية المتنفذ.

 

وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على انعقاد البرلمان الجديد وتوافق الكتل السياسية إلا أنه لم تظهر أي ملامح لاتفاق الكتل السياسية فيما يخص الأزمات بالمناطق المدمرة المعدومة الخدمات والمهجر معظم سكانها لاسيما أن هناك مناطق بابل وصلاح الدين ونينوى ومناطق أخرى لم يعد سكانها حتى الآن ولا يعرف هؤلاء السكان سبب نفيهم بعد انتهاء المعارك وجلوس جميع الأطراف السياسية مع بعضها، إضافة إلى أن عشرات الآلاف من المختطفين والمغيبين من أبناء تلك المناطق ل ايزال مصيرهم مجهولا بعد اعتقالهم واختطافهم من أجنحة مسلحة لأحزاب تشارك الآن بتشكيل الحكومة في حين يبقى ملف المدن التي تجاوز بعضها نسبة الدمار فيها الثمانين بالمئة علامة استفهام كبيرة على مدى جدية الكتل السياسية بالاهتمام في هذه المناطق وسكانها على الأقل كما تم الاهتمام بأزمة البصرة إعلاميا والتي هي الأخرى لم تحل بعد أن تجاوز عدد ضحايا تلوث المياه مئة ألف مصاب.

 

نوايا الأحزاب اليمينية الشيعية بالتفرد بالسلطة بدت واضحة من خلال عزل الأحزاب السنية والكردية ومحاولة إقناع الجمهور بتشكيل حكومة وإدارة مؤسسات تكنوقراط بدا جميع المرشحين لها ينتمون أو مقربون من تلك الأحزاب في توجهٍ واضح وصريح لدفع العراق نحو التشدد الشيعي القريب من ولاية الفقيه في إيران، وما عزز تلك المخاوف الشعبية والسياسية وخصوصا من المراقبين والمختصين في الشأن العراقي هو حديث مرجعية النجف عبر ممثلها في كربلاء خلال خطبة الجمعة الأخيرة حول مواجهة الاختلاط وإيقاف الحفلات العامة بدعوى الاختلاط إضافة إلى الهجوم المتكرر في الأشهر الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والحديث عن أنها السبب في الفساد المالي والإداري والأخلاقي في البلاد في وقت لم تسجل على تلك المواقع سوى أنها مصدر إزعاج للأحزاب والحكومة والجهات المتنفذة من خلال سيطرتها على الرأي العام في العراق وتأثيرها بشكل كبير على الحركة الاحتجاجية على فساد العملية السياسية وأركانها، في وقت تتواصل فيه عمليات تصفية واغتيالات بحق مشاهير تلك المواقع وخصوصا النساء منهم.

 

العراق مقبل على خلافات كبيرة ليس على المستوى السياسي المتفتت أصلا ويأكل القوي منهم ضعيفهم ولكن على المستوى الشعبي
العراق مقبل على خلافات كبيرة ليس على المستوى السياسي المتفتت أصلا ويأكل القوي منهم ضعيفهم ولكن على المستوى الشعبي
 

مر العراق بنفق مظلم منذ أن شرعت الأحزاب اليمينية الشيعية بالتفرد بالسلطة لا سيما حزب الدعوة الذي لم يتنازل عن رئاسة الوزراء سوى للمجلس الأعلى الذي يعد نواة جميع الأحزاب الإسلامية الشيعية وأكثرها تأثيرا في إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى غزو العراق واحتلاله عام 2003، لكن ومنذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي حتى الآن لم تحصر الأحزاب الشيعية السلطة بيدها بهذا الشكل الذي تسعى له الآن، منتفعة بذلك من الشعارات الوطنية التي يطلقها مقتدى الصدر والذي تمكن من أن يتصدر المشهد بعد ركوبه موجة التظاهرات الشعبية وتحسين علاقاته الدولية، ويبدو أن هذه القوى والأحزاب جادة باستغلال ضعف ساسة السنة والكرد في الوقت الراهن حتى وإن كان ذلك على حساب إبقاء العراق في النفق المظلم الذي لا يكاد يخرج منه حتى جاء معمم أو جنرال وأعادَه من حيث بدأ.

 

وفي ظل المعطيات الحالية فإن العراق مقبل على خلافات كبيرة ليس على المستوى السياسي المتفتت أصلا ويأكل القوي منهم ضعيفهم ولكن على المستوى الشعبي حيث لم يعتد العراقيون على فرض قوانين صارمة قد تحولهم شيئا فشيئا إلى دولة تحكم بقوانين المرشد الإيراني التي لا يعترف حتى الشيعة منهم باستثناء فئة قليلة بها.

 

أما حكومة رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي التي فتح باب الترشيح الالكتروني لها بحجة اختيار وزراء تكنو قراط من عامة الشعب، فإنها ستؤسس من الأحزاب اليمينية المتشددة ذات الأجنحة المسلحة كما أكد ذلك قيادات من تلك الأحزاب وهذا هو الأمر الأكثر واقعية لاسيما أن تلك الأحزاب دخلت الانتخابات لتشكل حكومة تلبي مصالحها وتحقق أهدافها وأهداف داعميها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.