شعار قسم مدونات

عندما يصبح الطلاق وصمة عار!

BLOGS طلاق

يبدو أن نسبة الطلاق تزداد سنويا في المغرب بنسب كبيرة، وهذه المسألة تؤكد على أن الزواج أضحى أقرب إلى الفشل منه إلى النجاح، وبالتالي لم يعد ملاذا لمن رغب فيه، كما أن الظروف التي باتت تحكم مجتمعاتنا لم يعد فيها من الصبر ما يكفي ليتحمل الزوجان بعضهما البعض أكثر، ولعل السبب الأول الذي يؤدي إلى هذا الطلاق هو التسرع في قرار الزواج، ذلك أن بعض الأفراد يلهثون وراء الزواج، دون أن يدركوا مدى صعوبة هذه المسؤولية، ودون أن يتريثوا ليكتشفوا شريكهم في أدق التفاصيل، ذلك أن استكشاف هذا الشريك في كل مضامينه بمثابة مدخل نحو فهم طبيعة شخصيته وسلوكه، ومن ثم التفكير في الارتباط به قانونيا، وقبل ذلك لا بد من طرح السؤال الذي اقترحه الفيلسوف الألماني نتشه في هذا الصدد والذي يقول: هل يمكن أن أقضي حياتي كلها رفقة هذا الشخص؟

 

هكذا يجب أن نفكر عندما نقرر الإقدام على الزواج، لأن الزواج ليس بتلك البساطة التي يعتقد عامة الناس، أولئك الذين يظنون أن من شأن الزواج أن يدفع الشخص إلى تحمل المسؤولية كما ينبغي، وهكذا يرون أن الزواج هو الطريق المناسب ليتحمل المرء المسؤولية، بينما القاعدة المفترضة في هذا الصدد تقول بأن التفكير في الزواج لا يجب أن يتم إلا بعد أن يتحمل المرء مسؤولياته كاملة، وأن يكون قادرا على تأسيس مؤسسة الأسرة بكل تفاصيلها، هذا فيما يتعلق بالتفكير في الزواج، أما مسألة اختيار شريك الزواج، فذلك أمر في غاية التعقيد، ذلك أن الارتباط بشخص لن يصيبك معه ملل، فذلك أمر ناذر ومستبعد، بالإضافة إلى تدفق المشاعر الصادقة باستمرار معه، ثم التفاهم والتقارب على مستوى التفكير وحتى العمر لا يجب أن يكون زائدا عن حده، لأنه لا يعقل أن يكون فرق جيل بين زوجين، إذا استمر هذا الزواج فبسبب خضوع أحد الزوجين للآخر، أما إذا توقف -وهو أمر متوقع في ظل هذه الظروف- فذلك يؤكد على أن الزواج يجب أن يكون فيه تقارب كبير في السن والتفكير، وأن يكون هناك انسجام تام في الحياة، ويستحسن امتلاك نظرة متقاربة حتى يستطيع الزوجان النظر في اتجاه واحد، فنتشه يقول: ليس الحب أن ينظر بعضنا إلى بعض، ولكن أن ننظر في اتجاه واحد.

 

حكت ليا إحدى الصديقات عن إحدى صديقاتها التي تسرعت في الزواج، هذا الزواج انتهى بعد شهرين من العرس، والأسوأ من ذلك أن مصاريف العرس تم اقتراضها، إذ أن استرداد هذا الدين لم يكتمل إلا بعد الطلاق. ومن خلال ذلك يبدو أن الأمور باتت معقدة إلى درجة بات معها الزواج مرتبطا بالمظاهر، بينما كان مفترضا أن يتأسس على المشاعر والتفاهم والود، وارتباط الزواج بالمظاهر يتجلى في إعطاء الأهمية لحفلة الزواج على الزواج، ودون التأمل في هذا الارتباط على المدى البعيد، ودون التفكير في الأمور التي يجب أن ينبني عليها الزواج حتى يكون ناجحا. ومن جهة أخرى هناك من يلتحق بركب المتزوجين، لا لشيء إلا لأنه أراد أن يكون منهم، هذا النوع الأخير يسير مع القافلة، إلى أن تتركه القافلة في حالة نفسية أسوأ من تلك التي دفعته إلى التفكير في الزواج.

 

كون عاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل، حيث تتأثر المرأة بالمواقف التي تتعرض لها، فهذا الأمر هو الذي ينطلق منه المجتمع الذكوري لكي يفرض سلطته على المرأة ويخضعها لجبروته

يبدو أن هذه الأزمة الاجتماعية المرتبطة بالزواج في مجتمعاتنا كان سببها طبيعة العقليات التي تعيش في هذا المجتمع، هذه العقليات لا تنظر إلى الأمور من الزاوية الصحيحة، فبين من يفكر في الزواج لتلبية غرائزه الجنسية دون التفكير في الارتباط على أساس الحب، وبين التفكير في الزواج على أساس ما يفرضه المجتمع الذكوري، وبين التفكير في الزواج على أساس التقليد بالآخرين، وبين التفكير في الزواج بناء على ضغط العائلة دون التعرف الدقيق على الشريك، وبين التفكير في الزواج على أساس مشاعر كاذبة غير ناضجة، بين كل هذه التفاصيل يضيع الزواج، وتضيع مؤسسة الأسرة، وكل هذه التفاصيل تقود إلى شيء اسمه الطلاق، هذا الأخير ينظر إليه المجتمع بنظرة ذكورية محضة، هذه النظرة تبرر كل شيء لصالح الرجل، لتتحمل المرأة هذه المسؤولية بكل ما أوتيت من خضوع، ذلك أنها يجب أن تتحمل زوجها في كل شيء، ومن أجل ذلك يجب أن تتنازل عن كرامتها، بالإضافة إلى أن ما ينتظرها بعد الطلاق يمكن أن يكون أسوأ مما هي عليه لو تحملت جبروت زوجها.

 

رغم أن هناك بعض المناطق التي يتم فيها تقدير المرأة المطلقة على أساس تجربتها في الزواج، إلا أن أغلب المناطق يصبح فيها الطلاق بمثابة وصمة عار بالنسبة للمرأة المطلقة على عكس الرجل المطلق، هذا الأخير لا يلام أبدا، ولكن اللوم مع الأسف يتوجه إلى المرأة، ليزيد من تعقيد نفسيتها أكثر من تلك النظرة المجتمعية التي تلاحقها بسبب كونها مطلقة، هذه النظرة مصدرها تلك النظرة الضيقة التي يختزلون فيها الأنثى في غشاء البكرة، وبمجرد ما تفقدها المرأة فإنها –في نظرهم- تبدو سهلة الانقياد، ويمكن الحصول عليها بأقل ما يمكن، وهذا هو السبب الذي يدفع المرأة المطلقة إلى التعرض للمراقبة أكثر، على أساس أنهم يظنون أن جميع خرجاتها من أجل ممارسة الجنس، وهكذا يتضح أن الطلاق يصبح عيبا بالنسبة للمرأة، كل ذلك من أجل مسايرة العقلية الذكورية التي تفرض الخضوع على المرأة.

 

يبدو واضحا أن طبيعة المجتمع الذكوري تميل إلى تبرير كل شيء لصالح الرجل، ولعل هذا لا يليق بمكانة المرأة كإنسان، لأن المرأة تبقى إنسان رغم تفوق الرجل عليها على مستوى البنية، لكن هذا ليس معيارا لنقوي مكانة الرجل على حساب مكانتها، بل إنها تبدو أقوى من الرجل لو نظرنا إليها من زاوية ما تتحمله من ألم. وبسبب كون عاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل، حيث تتأثر المرأة بالمواقف التي تتعرض لها، فهذا الأمر هو الذي ينطلق منه المجتمع الذكوري لكي يفرض سلطته على المرأة ويخضعها لجبروته. وأنا هنا لا أحمل لواء الدفاع عن المرأة، أو انتقاد الرجل، بل أحاول أن أوضح أن المرأة في المجتمعات الذكورية تعيش في الهامش، وهذه النظرة لا تليق بها في ظل حقوق الإنسان، ولهذا لابد من تجاوز هذه النظرة نحو نظرة مبنية على المساواة والاحترام والتقدير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.