شعار قسم مدونات

أنت تستحق!

blogs سعادة

قبل أن تبدأ الأحلام تتهرب من بين عينيك، وتتفلت الأيام من قطار طُموحاتك، وما إن تتسلل الحيرة إلى فؤادك، حتى تبدأ الأيام القادمة بسؤالها عنك، شوقاً للقياك، تواقة لاحتضانك، ملهوفة لرؤية ابتسامتك، فتسأل أين ذاك الذي كانت تتقد الدهشة في عينيه، وينبثق الشغف من بين كفيه، ما حال خيباته، هل أصبح اليأس يُشير عليه أين يجب أن يتجه، هل آتاه حديث التخبط، وأصبح يزوره ما بين الحين والحين!

 

وهل بات الماضي يستبد به، وجيوش الخّذلان تزحف إليه من كل حدب وصوب. أم هل ما زال شامخاً كالجبال في أفق الإباء والجمال، هل ما زال يُنافح عن الهدف الذي يرنو له قلبه لمعانقته، هل ما زال يعكف على تطريز ثوب أحلامه، هل ما زال يذوذ عن معابر قلبه وحدود كيانه! فإني أنتظره كمن ينتظر خيط الهلال المُنير في وسط الظلام الدامس، هل ما زالت تِلك الفكرة اللعينة بداخله، أنه لا يجدر به أن يكون رَقماً مُختلفاً، وأن عليه أن يَقبل بأن تجثم الحياة بقيودها على صدره، وتبوح له بكلمات تشي بأنه لا يستحق بين الحين والأخر.

 
أطرقت الأيام، يملأ وعاءها كُل الحيرة، فلم تعرف ما حال تِلك الروح التواقة للإنجاز، لمَ تأخرت عنها! وذلك الفؤاد المُتعطش الملهوف لضرب سواحل الوصول بسفينته  لمَ لم يصل إليها، فَراحت تنتظر وتنتظر وصوله إليها، كمحبوبة تنتظر الدقائق للقاء مُتيمها، وأخذت تكتب له بَرقية اشتياق، تخط فيها قائلة: إلى ذلك القلب الذي لا أعلم ما حاله الآن، تذكر وقبل أن توشك أعصابك على الاحتراق، وأن تفتك بك الظنون، وقبل أن تنحر أحلامك في مشانق الماضي، وأن تعتقد ولو لوهلة بأنك لا تستحق، تذكر أني أتوق لرؤياك بأبهى الحُلل.
 

تذكر أنك تستحق أن تُنوع من مصادر سعادتك وأنسك، حتى لا يستعبدك مصدرها الوحيد، تذكر أنك تستحق أن تستجيب لنداءات مطارات قلبك حين يُنادي في السماعة على المتوجهين المغادرين من الأمكنة الخاطئة

تذكر أنك تستحق أن تتمسك بمن يستطيع إطلاق العيار الناري على جماجم خيباتك، ويعلن ابتداء تسارع ضحكاتك المجنونة الصارخة إلى قلبك، تذكر أنك تستحق أن تتوقف عن السعي خلف شيء لا يوقظ فيك الدهشة، تذكر ألا تتوقف عن محاولاتك في الإشراق، فهذا الضياء يليق بك. وتذكر أنك تستحق أن ينظر أحدهم إلى ملامح وجهك، كمقطوعة موسيقية عُزفت في عزاء بارد فنُسي المتوفى وابتدأ الرقص، أنت تستحق أن تؤمن أن عيون قلبك، هي خير عدسة ترى بها المشهد.

تذكر أنك تستحق أن تُنوع من مصادر سعادتك وأنسك، حتى لا يستعبدك مصدرها الوحيد، تذكر أنك تستحق أن تستجيب لنداءات مطارات قلبك حين يُنادي في السماعة على المتوجهين المغادرين من الأمكنة الخاطئة… ولعَمري إنها موهبة، أن تعلم متى يجب عليك أن تُغادر! تذكر أنك تستحق أن تُجرب مئة مرة، وأن تحاول ألفاً، وأن لا ينطفئ وهج المغامرة، في قناديل شغفك، فالفشل الحقيقي أن تنكفئ عن المُحاولة، فأنت تستحق أن تبتسم الحياة لك، وأن تقع في غرامك ولو بعد حين أطرقت الأيام متأملة وهي تخط خاتمة الرسالة، ثم كتبت وهي تحاول أن تتخيل ملامحك:

أنت تستحق أن ينظر لك أحدهم متباهياً وكأنك جميع انتصاراته، أنت تستحق أن ينظر لك أحدهم بأنك النجمة الوحيدة في سمائه، أنت تستحق أن يراك أحدهم متربعاً على عروش من أحبوه، حارقاً لنعوش من فارقوه. أنت تستحق أن تتمسك بمن يعرج بك من أراضي الخيبة إلى سماوات الطمأنينة، وتستطيع التدثر به في صقيع محطات الحياة، وتذكر دَوماً أن الأيام المُقبلة بانتظارك تقول لكَ عليكَ سلامي ولهفتي، أنت تستحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.