شعار قسم مدونات

"جرّب ونص".. هل ثار سياسيو العراق على الفتوى الدينية؟

blogs برهم صالح

رفعت الأقلام واختصرت المباحثات والسجالات والمجادلات بليلة واحدة بسلة واحدة بضربة واحدة بجلسة واحدة، جُمع أعضاء مجلس النواب بعدد من المؤكد أنه لن يتحقق مرة أخرى في الجلسات المقبلة للمجلس، وبعد تأجيل موعد انعقاد الجلسة مرتين خلال اليوم الأخير لانتهاء الموعد الدستوري لاختيار رئيس الجمهورية أعلنت رئاسة مجلس النواب انعقاده بحضور 302 نائباً من أصل 329 نائباً ومعظم من لم يسجل حضورهم كانوا موجودين لكنهم لم يرددوا القسم الدستوري بسبب ارتباطهم بوظائف وزارية وإدارية ما يعني أنهم سيلتحقون بالبرلمان بعد تشكيل الحكومة خلال شهر من الآن.

 

التوقعات والأنظار كانت تتجه صوب مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين على حساب مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح للظفر برئاسة جمهورية العراق، حيث أعلن نواب المحور الوطني "السني" تأييدهم لمرشح مسعود بارزاني زعيم الديمقراطي، إضافة إلى أن قيادة تحالف الفتح أعلنت دعمها لفؤاد حسين أي أن معظم تحالف البناء الذي يزعم أنه الكتلة الأكبر أيد اختيار مرشح الديمقراطي، وعزز توقعات حسم منصب رئيس الجمهورية لصالح أربيل الجولة المكوكية التي أجراها رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني على معظم رؤساء الكتل وزعماء الأحزاب السياسية في بغداد والنجف بصحبة فؤاد حسين المرشح الوحيد للديمقراطي لمنصب الرئيس.

 

رئيس الجمهورية الجديد برهم صالح الذي ترك زعامة حزبه وعاد للالتحاق بحزب الاتحاد الذي كان قد غادره لأسباب تتعلق بالمنصب حصل على معظم أصوات أعضاء مجلس النواب في الجولة الأولى للتصويت على المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية لكنه لم يحقق غالبية الثلثين كما ينص الدستور ما دعا رئاسة المجلس للذهاب إلى جولة ثانية انسحب قبل بدايتها المنافس بعد أن تأكد أن الحسم ذهب لصالح السليمانية، المدينة التي تنافس أربيل على إدارة إقليم كردستان والمناصب في بغداد التي تكون من حصة الكرد وفي نظام المحاصصة الحالي، وبعد حصول برهم صالح على منصب رئيس الجمهورية رغماً عن إرادة الديمقراطي الكردستاني الذي حصل على أكثر عدد من المقاعد في البرلمان من بين الكتل الكردية سيجدد اشتعال أزمة بين أبرز حزبين كرديين ربما تصل إلى المقاطعة السياسية وحتى الإدارية، كما أن اتهامات عدة وُجّهتْ للسليمانية بالارتباط بإيران، لا سيما فيما يخص عودة صالح المفاجئة إلى الاتحاد بعد أن أسس حزبه الخاص ووصلت به الخلافات مع قيادة الحزب الحاكم في السليمانية إلى تراشق الاتهامات إضافة إلى عمق الخلاف مع السيدة الأولى للحزب هيرو طالباني زوجة جلال طالباني.

 

رئيس الحكومة المقبلة هو عادل عبد المهدي ابن الستة والسبعين عاما، أحد المؤسسين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي أُسس في إيران، وسبق له أن حصل على عدة مناصب بعد عام 2003 منها وزير المالية ووزير النفط
رئيس الحكومة المقبلة هو عادل عبد المهدي ابن الستة والسبعين عاما، أحد المؤسسين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي أُسس في إيران، وسبق له أن حصل على عدة مناصب بعد عام 2003 منها وزير المالية ووزير النفط
 

عشية جلسة اختيار رئيس الجمهورية انتشر خبر استدعاء السفير الإيراني لدى بغداد إيرج مسجدي لمرشحي الاتحاد والديمقراطي لكن الإعلام الإيراني لم ينشر سوى فيديو استقبال السفير لبرهم صالح بالعناق والابتسامة العريضة في حين لم تُنشَرْ أي صورة لاستقبال مسجدي المرشح الآخر فؤاد حسين، الأمر الذي فسر على أنه محاولة لإقناع مرشح أربيل بالانسحاب لصالح مرشح السليمانية بحسب ما تم تداوله، وهذا ما يرفضه الديمقراطي وزعيمه مسعود بارزاني الذي أصدر بياناً قبل انتهاء الجولة الأولى للتصويت في البرلمان قال فيه: "إن ما يجري الآن لاختيار رئيس الجمهورية مخالف للأعراف المتبعة في انتخاب الرئيس بالدورات السابقة، وكان ينبغي اختيار مرشح كردي من أكبر كتلة أو أن تحسم الكتلة الكردية الأمر"، وكان ذلك يعد استباقاً للنتيجة المعلنة، ما يعني أن التصويت على المرشح الفائز تم بالاتفاق بين الكتل السياسية وليس تمرداً من النواب على رؤساء كتلهم كما يروج بعض الناشطين والسياسيين.

 

الليلة الحافلة بالأحداث جاءت وفق ما يشتهي حاسم منصب رئيس الجمهورية، وحتى تغلق صفحات الجدل والمفاوضة على المنصب الأخير المتبقي من الرئاسات الثلاث، وأهمها على الإطلاق، أخرج عريس الحفل من تحت المسرح بكامل أناقته واستعداده ليتم تكليفه في غفلة من الزمن برئاسة الحكومة، وهي بلا شك طريقة ذكية تحسب للمخطط والمنفذ، فالصدمة كانت موجودة بتمرير رئيس جمهورية غير متفق عليه وبالأجواء ذاتها ونشوة المنتصر يُحسَم أمر رئيس الوزراء ليصبح أمرا واقعا على الجميع ليعيش الخصوم صدمة واحدة وليلة واحدة من الذهول والحسرة بعد انقلاب الحلفاء على بعضهم بعضاً.

 

الخلاف بين زعماء الكتل والأحزاب والفصائل ستحتدم خلال هذا الشهر أثناء اختيار الكابينة الوزارية، وقد يصل الأمر إلى الصدامات المسلحة

إذاً رئيس الحكومة المقبلة هو عادل عبد المهدي ابن الستة والسبعين عاما، أحد المؤسسين للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي أُسس في إيران، وسبق له أن حصل على عدة مناصب بعد عام 2003 منها وزير المالية ووزير النفط، وتعتبر حادثة مصرف الزوية في بغداد من أكثر ما أثير من شبهات ضده بعد أن هاجم عدد من أفراد الحرس الرئاسي من بينهم أحد أفراد حماية نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي عام 2009 المصرف وقتلوا ثمانية من أفراد حماية المصرف قبل أن يسرقوا مبلغ خمسة ملايين دولار أمريكي، في حين قيل إن عبد المهدي اتصل في الليلة ذاتها برئيس الوزراء نوري المالكي وأبلغه بالحادثة، وأنه عرف المتهمين لكنَّ المالكي أسقطه بنشر ما حدث وأطاح به أمام الرأي العام، لكنْ حتى الآن شأنها شأن معظم الجرائم في العراق لم يتم الكشف عن حقيقة ما حدث في المصرف وللضحايا داخله، لكن ما هو معلوم للشارع العراقي التصاق اسم مصرف الزوية بعادل عبد المهدي حتى صار يلقب بـ "عادل زوية".

 

اللافت في عملية اختيار رئيسي الجمهورية والوزراء أنها جاءت عكس توصيات مرجعية النجف أكبر مرجعية للشيعة في العراق متمثلة بالمرجع علي السستاني، بعد أن رفعت شعار "المُجرب لا يُجرب"، أي أن من شغل منصبا حكوميا في الحكومات السابقة لا يمكن إعادة اختياره من جديد، هذا الشعار الذي أصبح شعارا انتخابيا لعدد من السياسيين والقوائم الانتخابية قبل الانتخابات، لكنه ركن جانباً بعد إعلان النتائج، إضافة إلى أن النجف عبد وكيلها عبد المهدي الكربلائي حددت مواصفات يتطلب توافرها بشخص رئيس الحكومة كالقوة والحزم والشجاعة ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتبدو المواصفات المطلوبة لا تنطبق على عادل عبد المهدي الذي سبق له أن انسحب من رئاسة الوزراء عام 2005 بعد أن كان قريباً من تولي رئاسة الحكومة وتركها لصالح إبراهيم الجعفري كما أنه انسحب عام 2011 من الترشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية، وتعد هذه التنازلات والانسحابات وتولي عبد المهدي مناصبَ مهمة في الحكومات السابقة، إضافة إلى حادثة مصرف الزاوية نقاطاً معاكسة تماماً لما دعت له مرجعية النجف، ما يعني أنه توجه سياسي معارض لها بإرادة دولية إقليمية.

 

وبحسب المعطيات الحالية فإن الطبقة السياسية الحالية لم تعد بحاجة إلى مظلة المرجعية بعد أن رفعوا شعار: "المُجرب يُجرب ونص" وهم بالتالي غير ملزمين بتسليط الأضواء على الفتاوى والقرارات الصادرة من هناك، كما أن الخلاف بين زعماء الكتل والأحزاب والفصائل ستحتدم خلال هذا الشهر أثناء اختيار الكابينة الوزارية، وقد يصل الأمر إلى الصدامات المسلحة، أما المدن المدمرة فستبقى على حالها لأشهر عدة، لا سيما أن سفن تشكيل الحكومة تجري عكس رياح الدول المتبنية للإعمار، فيما يبدو أن الخلاف في شمال البلاد سيكون أعمق من أي وقت في السنوات الماضية، ما يعني أننا أمام أضعف حكومة وربما أقصرها عمراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.