شعار قسم مدونات

عندما أنقدني الفقر من الجهل!

blogs تفكير

كم سمعنا ونحن ما زلنا في أرحام أمهاتنا: "لولا أبناء الفقراء لضاع العلم" وهل العلم يطلب إلا الفقراء؟ لكنا لكثرت سماعنا مثل تلك الأقوال أصبحت لدينا منهجا نسير عليه، لكن ليس للحفاظ على العلم وإنما لفرد أنفسنا في المجتمع، خصوص في مجتمع متخلف إذا أردت أن تفرد نفسك فيه فعلك بالعلم وإذا أردت أن تكون غنيا فيجب عليك بالعلم.

الحياة التي نعيشها مجرد صراع من أجل البقاء، والأقوى هو الذي يستطيع الاستمرار فيها، سواء كانت قوته مالية أو علمية، ولكن إذا اجتمعتا كان هو الذي ينتزع الصدارة، وكذلك البقاء ثمرة سعي دائم لتحقيق الاحتياجات الضرورية -على الأقل- بعد العناء المستمر والمجهود والمثابرة يوم بعد يوم سنة بعد أخرى يصير الإنسان إلى ما يريد، خصوصا إذا أشبع نفسه بقصص أولئك الذين صنعوا مجدا رغم فقرهم وقلة يد آبائهم.

 

صحيح أن من يولد في هذه الحياة لا يختار مكان ولادته، أو حتى عائلته التي يحب أن يولد فيها، غنية أم فقيرة، أرستقراطية أم ريفية، ولا يختار البلاد التي يعيش فيها، ولا حتى اختيار اسمه، لكن ما يستطيع تحقيقه هو العامل الشخصي للفرد، ومدى عزيمته ليحقق نجاحاً في حياته، لم يتمكن من تحقيقه أقرانه الآخرون، الذين ولدوا في ذات البيئة أو بيئة أفضل منه، وهناك نماذج في الحياة، تركت بصمتها شاهدة عليهم، رسائل إيجابية للجميع، وأثبتوا بأنهم عظماء وهم الأجدى بالريادة في جميع العصور رغم فقرهم.

 

طه حسين بين الكثيرين الذين آمنوا بحرية التعليم وأهميته وعملوا بجد على تحقيق ما آمنوا به، ويبرز عميد الأدب العرب نجما يضئ نوره قلوب التلاميذ والأساتذة على حد سواء

حينما نتعرف على حياة الكثير من العظماء في التاريخ، والرجال المشهورين في التاريخ البعيد والقريب، فأغلبهم لم يولدوا عظماء ومشاهير وأغنياء ولم تولد معهم المكانة والعظمة أو النجاح التي حصلوا عليها فيما بعد من خلال مشوار حياتهم، فالكثير منهم ولدوا في عائلات فقيرة لكنهم استطاعوا أن يصنعوا مجدهم بأنفسهم، كأمثال: العالِم الكبير "جان جاك روسو"، صاحب كتاب العقد الاجتماعي لقد ولِد في عائلة فقيرة، وعاش هو أيضا فقيرًا، فأبوه كان عامل ساعات لا أكثر، لكن روسو أصبح أحد أهم فلاسفة القرن الثامن عشر، ومنظر عصر التنوير، الذى مهد لقيام النهضة الأوروبية.

وكذلك دونالد ترامب رجل العقارات الأول في أمريكا كانت وظيفته الأولى هي تحصيل الإيجارات وكان يساعد أخيه في جمع الزجاجات من القمامة لبيعها، وكذلك أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية الحالية والسياسية ألمانية وزعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي أحد أبرز الأحزاب السياسية في ألمانيا، وتتولى منذ 22 نوفمبر 2005 منصب المستشار في ألمانيا، وهى أول امرأة تتولى هذا المنصب، حسب مجلة فوربس تعد ميركل أقوى امرأة في العالم لعام 2011، كما أنها حازت على الصدارة في قائمة أقوى امرأة في العالم في خمس سنوات، حسب تصنيف مجلة "فورن بوليسى"، لكنها لم تولد وسط عائلة غنية، بل لقد كانت تعمل نادلة في حانة ليلية، عندما كانت تدرس الفيزياء، بجامعة كارل ماركس في ألمانيا الشرقية.

 

وكذلك عميد الأدب العربي "طه حسين" الذي يعتبر أحد أشهر الكتاب والمفكرين المصريين في القرن العشرين، ومن أبرز رموز حركة النهضة والحداثة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولد في الصعيد الأوسط سنة 1889 من أسرة متدينة وفقيرة ذات العدد الكبير من الأبناء وعاش طفولته الباكرة في إحدى قرى الريف المصري، وكان والده موظفا في شركة السكر وكان يعول ثلاثة عشر ولدا، وكان سابعهم طه حسين الذى كان له مكانا خاصا يمتاز من مكان أخوته وأخواته، وذلك لأنه فقد بصره بسبب الجدري وهو في مرحلة حياته الأولى، لكن الله تعالى سرعان ما أعطاه عوضا عن فقرة وبصره ليصبح من رموز الأدب العربي في مصر.

طه حسين بين الكثيرين الذين آمنوا بحرية التعليم وأهميته وعملوا بجد على تحقيق ما آمنوا به، ويبرز عميد الأدب العرب نجما يضئ نوره قلوب التلاميذ والأساتذة على حد سواء، لم يترك أيا من المناصب التي تولاها، وفى عام 1950 وتحديدًا في الثالث عشر من شهر يناير تولى منصب وزير المعارف، ليصبح وزيرًا في الحكومة، ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل.

 

بدأ الكولونيل ساندرز بطرح الفكرة على المطاعم، ولاقى دجاجه اللذيذ قبولا من جميع المستثمرين أصحاب المطاعم، وبعد 12 عاما أصبح هناك 600 محل يبيعون دجاج الكولونيل ساندرز
بدأ الكولونيل ساندرز بطرح الفكرة على المطاعم، ولاقى دجاجه اللذيذ قبولا من جميع المستثمرين أصحاب المطاعم، وبعد 12 عاما أصبح هناك 600 محل يبيعون دجاج الكولونيل ساندرز
 

وكذلك أصحب أشهر أكلة في العالم "هارلند دافيد ساندرز" مؤسس مطاعم كنتاكي، شهرته ونجاحه أتيا بعد الستين، ولد ساندرز في 1890 والده عامل في منجم فحم، توفى والد ساندرز وهو عمره 6 سنوات واضطرت الأم للنزول للعمل لكى تستطيع الصرف على المنزل كان ساندرز الكبير، ولم يجد مفرا هو أيضاً من العناية بالبيت وأخوته وتقديم الطعام لهم وفى سن السابعة أتقن طهى عدة أطباق شهية ومنها الدجاج المقلى وعمل أيضا أكثر من مهنة، من "ملقم فحم" لقائد عبارة نهرية لبيع بوالص التأمين، ثم درس القانون، وباع إطارات السيارات، وعمل مدير محطات وقود.

 

بدأ هارلند دافيد ساندرز الرجل العجوز المشهور ذو الشعر الأبيض الذى ترمز صورته إلى أشهر محلات الدجاج المقلى "كنتاكي"، مشروعه وهو في الأربعين من عمره حيث كان يقف في محطة القطار ويبيع للمسافرين دجاجه المقلى اللذيذ، استمر 9 سنوات أتقن فيها ساندرز الخلطة السرية الموجودة حاليا في مطاعم كنتاكي التي تتكون من 11 نوعا من التوابل، وفى عامه الـ45 أنعم عليه محافظ ولاية كنتاكي لقب الكولونيل لمهارته في طهى الدجاج المقلى، لكن بعد ذلك تم تغيير مسار القطار فأصبح المكان لا يجذب المارين مثل قبل، وتكاثرت الديون عليه، ما جعله يبيع عربته ليسدد الديون والضرائب، وعاد لبيته ينتظر التأمين الاجتماعي ليعيش منه، لكنه أدرك أنه لا يزال في 65 من عمره ويمكنه العمل مجددا.

 

فبدأ بطرح الفكرة على المطاعم، ولاقى دجاجه اللذيذ قبولا من جميع المستثمرين أصحاب المطاعم، وبعد 12 عاما أصبح هناك 600 محل يبيعون دجاج الكولونيل ساندرز، لقد كانت مثل قصص هؤلاء كمخدر يحثني على الاستمرار. وكما أني لو لم أكن فقيرا لكنت أخوض في غيابات الجهل الآسن، فالفقر كان سببا في طلبي للعلم، لكن هل نطلب العلم لأننا فقراء؟ أو نطلب حبا فيه وإخراج أنفسنا من ظلمات الجهل؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.