شعار قسم مدونات

نساء مذهلات

blogs نساء مذهلات

منذ مدة قصيرة أنشأت إحداهن مجموعة نسائية مغربية على الفايسبوك أطلقت عليها اسم  la Superbe، التي تعني "الرائعة"، النعت الذي تتشارك فيه كل نساء العالم دون استثناء. كان الأمر بمثابة اللعبة في بداية الأمر، كانت كل واحدة تقدم نفسها على حدة وترافق التقديم بصور لها وهي غالبا مبتسمة، تحكي عن تجاربها وحياتها وماذا غيرت هذه الأخيرة فيها وكيف واجهت مشاق الحياة وصعابها. بين ليلة وضحاها صارت المجموعة تشمل تقريبا 200.00 سيدة من مختلف الأعمار، مراهقات وشابات وأمهات وجدات من مختلف أنحاء المغرب ويستمر تقديمهن لأنفسهن لحد الساعة والبسمة تعلو وجوههن دون كلل أو ملل. 

 

ولأن الصورة تستحوذ على الانتباه أكثر من سطور مكتوبة فإنك غالبا ما تجد نفسك تمرر الصور لتشاهد نساء من كافة الأعمار، حرفيات، خياطات، ربات بيوت، طالبات، نساء عاملات، معلمات، مهندسات، طبيبات، عسكريات، محاميات..  يزاولن أعمالهن، يقمن بالرياضة، يقمن بواجبهن المهني، بهواياتهن، بتربية أطفالهن. فما إن تنتهي من الصور وتبدأ بقراءة النص حتى تتسل دمعة إلى عينيك وتسقط سقوطا حرا لم يأذن لها أحد به. يا إلهي! كيف لا زالت هذه السيدة تبتسم رغم ما حل بها ورغم ما قاست خلال حياتها؟ كيف لم تستطع ظلمات الدنيا أن تخطف ذلك النور الساطع من وجهها؟ وكأن ذلك النور مقدس لا تتحكم فيه قوانين الفيزياء ولا غيرها، كطائر العنقاء الذي ينبعث من الرماد بعد ما ظن الجميع أنه تلاشى من شدة النار حسب المعتقد الإغريقي. 

 

التقيت بالكثير من النساء من كافة الفئات وتعلمت من خلالهن أن المرأة قوية أكثر مما نتصور، أكثر مما تتصور هي كذلك، لست بصدد بدء مقارنة بين الرجال والنساء لأن ذلك ليس موضوعنا، بل حقا لأن المرأة مبهرة بكل المقاييس، فحين تعتقد أنها ذبلت وسقطت أوراقها تزهر من جديد رغم الصعاب والتقدم في السن ورغم كل شيء.  لماذا أقول هذا وأشيد بهؤلاء النساء المذهلات، لأنهن حقا أهل لذلك. ماذا فعلن ليستحققن ذلك؟ فعلن الكثير جدا. 

 

رغم مساوئ المواقع الاجتماعية الكثيرة إلا أن مجموعة كهذه تزرع في المتصفح الحماس لتغيير وضعيته إلى الأفضل وتبعث فيه روحا جديدة من الإرادة والعزيمة والإيمان بأن غدا سيكون أفضل
رغم مساوئ المواقع الاجتماعية الكثيرة إلا أن مجموعة كهذه تزرع في المتصفح الحماس لتغيير وضعيته إلى الأفضل وتبعث فيه روحا جديدة من الإرادة والعزيمة والإيمان بأن غدا سيكون أفضل
 

من القصص التي أبهرتني أم شابة تزوجت في سن جد مبكّر وأنجبت ثلاث فتيات تباعا، استحملت قسوة زوجها وأهله كثيرا ونظرة كل الذين يشفقون عليها لأن بطنها لم تنجب سوى البنات لتقرر أنها لن ترضخ للظلم فطلبت الطلاق بعد ظلم كبير وبدأت حياتها من جديد، حصلت على الباكالوريا والتحقت بالجامعة رغم قصر اليد ورغم الفقر ورغم مسؤولية الثلاث بنات لتصبح اليوم إطارا عاليا ومستشارة تواصل ومقدمة برامج. شابة في العشرين من عمرها تحكي عن معاناتها بعد بتر ساقها عندما كانت طفلة نتيجة لعض كلب لها، كانت قبل الحادثة عداءة تفوز في كل السباقات لينتهي حلمها بعد ذلك وتصير غير قادرة على المشي بدون عكاز. قطع الكلب جناحها لكنه لم يمزق روحها القتالية، لتنتفض بعد ذلك وتشرع في التدريب على كرسيها المتحرك لتصير اليوم بطلة وطنية وافريقية في التنس وتطمح اليوم إلى خوض غمار تظاهرات رياضية دولية.

 

أمهات فقدن أعز ما يملكن، فلذة كبدهن، نساء حاربن ولا يزلن يحاربن السرطان والمرض الذي استوطن عنوة أجسادهن الفتية، أخريات حاربن الجهل والفقر والعنف والظلم وبنين أنفسهن من لا شيء ماعدا الإيمان بأن غدا سيكون أفضل، سيدات في خريف العمر عاشوا قصص حب وزواج ناجحة هددتها صعاب الدنيا لكنها لم تفلح في تدميرها، أمهات ربين أولادهن بمفردهن وأوصلنهن إلى بر الأمان بعد تخلي الأزواج عنهن في بداية الطريق أو منتصفها.  نساء تخلين عن مهنهن الحالية من أجل بدء تخصص آخر كان شغفهن منذ البداية لكن شيئا حال دون ذلك. والكثير من القصص والتجارب المبهرة حقا والتي يطول حكيها وربما تُنسى تفاصيلها لكنها تشرح الصدر بعد أن تغرق القلب والعيون دموعا. تعلمت منهن الإيمان والحب. فلعل ذلك الإيمان الذي ينبض في قلوبهن جميعا هو منبع ذلك النور الذي يعلو محياهن كلما تقدمن في السن، ولعل ذلك الحب الذي يقدمنه دون مقابل رغم قساوة الحياة هو ما يجعل منهن نساء رائعات ومختلفات. لا فرق بين نساء العالم سوى قدرتهم على منح الحب بدون مقابل. 

 

لم أشعر من قبل بهذا القدر من الفخر لأنني امرأة، لكنني شعرت به عندما سمعتهن يحكين بدون حرج عن معاركهن الضارية مع الحياة: زوج خان العشرة، سرطان لا يرحم، موت غادر، موت رفيق الدرب، فقر مدقع، تضحية تلامس الخيال… وكيف تغلبن على كل المصائب بالإيمان والعمل والاجتهاد والصبر والمثابرة والعزيمة، بالكرم والطيبة. رأيت فيهن أحلامي وأحلام الكثيرات من الفتيات الشابات اللواتي أضعن طريقهن ويشعرن بالإحباط والاكتئاب حتى قبل أن يبدأن المعركة الحقيقية مع الحياة. رأيت في عيونهن الأمل والكرم اللامشروط والقوة والحب والليونة والإصرار من أجل كسر أصنام الجهل والظلم وكل ما يمكن أن يثني امرأة عن تحقيق أحلامها والسير بأسرتها إلى بر الأمان. رغم مساوئ المواقع الاجتماعية الكثيرة إلا أن مجموعة كهذه تزرع في المتصفح الحماس لتغيير وضعيته إلى الأفضل وتبعث فيه روحا جديدة من الإرادة والعزيمة والإيمان بأن غدا سيكون أفضل وذلك هو كل ما يحتاجه الشخص من أجل السير قدما ولو كان مشواره محفوفا بالجمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.