شعار قسم مدونات

أيام محمد بن سلمان في الحُكم باتت معدودة.. وهذه هي الأسباب!

BLOGS بن سلمان

لماذا أحْجَمَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن قول الحقيقة الكاملة في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، أثناء خطابه الذي كان ينتظره الملايين حول العالم الأسبوع الفائت؟ وهو من قال بأنه سيشرح الأمور بطريقة مختلفة تماماً، عمَّا تم تداوله في التسريبات التي سبَقَت خطابه. سؤالٌ ظلَّ يشْغَل بال الكثيرين ممن تابعوا ذاك الخطاب الهام، طوال الأسبوع الماضي، وقد انتظروه بشوق كبير، علَّهم يجدوا بين ثناياه بعض المفاتيح، لحل ذاك اللغز الكبير، المُتعلق بالطريقة التي تم فيها اختفاء ومن ثم اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، والذي لايزال يثير فُضول كل المتابعين للقضية حتى هذه اللحظة، وبخاصة فيما يتعلق بمكان وجُود الجُثة.

لمُحاولة فهم الأسباب الحقيقية وراء سُلوك الرئيس أردوغان وتصرفه ذاك، لابد لنا من الإشارة أولاً إلى بعض الأمور الهامة، التي حدَثت خلال الأيام القليلة التي سبقت ذاك الخطاب، وقُبيل الخطاب مُباشرة، والتي كانت بمثابة الضغوط السياسية القوية، التي مُورست على أنقرة، من قِبل عواصم غرْبية كثيرة، بمقدمتها الضغط الأمريكي، الذي تجّلَّى من خلال إيفاد الرئيس ترامب لمُديرة جهاز الاستخبارات الأمريكية، السيدة جينا هاسبل إلى أنقرة، قبل ساعات قلائل من إلقاء الخطاب، وحَمَلت فيما يبدوا بوادر صفقة أمريكية مع أنقرة، ليس بالضرورة من أجل إخفاء الحقيقة عن الرأي العام، ولكن ربما من أجل تأجيلها فقط، لمدة لا تتجاوز الأسبوعين، وهي المُدة التي لم يتبقَ منها سوى أسبوع واحد ساعة كتابة هذا المقال.

قضَتْ تلك الصفقة على ما يبدو، بأن توافق أنقرة على طلب أمريكي، بتأجيل الإعلان عن تفاصيل جريمة مقتل خاشقجي، إلى ما بعد تاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل، وهو موعد الانتخابات النصفية الأمريكية، المُهمة جداً للرئيس ترامب، مُقابل دعم واشنطن لأنقرة بعد ذلك، فيما تصبُو إليه من الإطاحة بعدوها اللدود، والمُتهم الأول بقضية خاشقجي، الأمير محمد بن سلمان، ومعه كل الحاشية المُحيطة به، الذين كان لهم الضلع الأكبر في توتر العلاقات بين أنقرة والرياض، وشكَّلوا -مع النظامين المصري والإماراتي- حلفاً مُعادياً للدولة التركية، ولرئيسها أردوغان بشكل علني، ومُتورطون أيضاً بالمشاركة في كل المحاولات الانقلابية المتكررة والفاشلة على الرئيس أردوغان.

الأتراك والرئيس أردوغان، المعروف بدهائه السياسي، يريدون -على ما يبدو- توظيف هذه القضية، للتقارب والتصالح مع المملكة العربية السعودية وليس العكس، للتباعد والتنافر معها

بدا وكأن الجانبان التركي والأمريكي، باتا يقفان على أرضية مشتركة في قضية خاشقجي، فمَا يهُم الرئيس ترامب وإدارته بالمقام الأول، هو الصفقات التجارية الرابحة مع السعودية، التي كان قد عاد بها ترامب من زيارته الأولى والتاريخية لمملكة النفط في العام الماضي، والتي تجاوزت بمُجملها الـ 460 مليار دولار، وبمقدمتها صفقات الأسلحة، وكذلك الإبقاء على أسعار النفط منخفضة داخل الولايات المتحدة الأمريكية إرضاءً للناخب الأمريكي، من خلال التزام المملكة بتوفير احتياجات الأمريكيين من النفط الخام، وفوق ذلك ما يهُم الأمريكيين هو الإبقاء على علاقات جيدة مع السعودية كدولة، وليس مع شخص مُحمد بن سلمان بالضرورة، وإن كان هذا الأخير مُهماً لترامب فيما يتعلق بصفقة القرن "سيئة الذكر" مع الاحتلال الإسرائيلي، تلك الصفقة السرية مع المملكة، التي جَعَلت من محمد بن سلمان صديقاً مقبُولاً للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب عُموماً، باعتباره رجُل الحداثة والإصلاح داخل المملكة، لكن ذلك التصَوُّر قد تبخَّر في الهواء، بعد تورط صديقهم الغبي في قضية خاشقجي.

بالمُقابل فإن ما يهُم تركيا والرئيس أردوغان في اللحظة الراهنة على الأقل، هو التخلص من شخْص محمد بن سلمان والحاشية المُحيطة به، الذين يُمثلون مِحور العداء لتركيا، والإبقاء على علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية كدولة، وقد لاحظنا ذلك جلياً في خطاب أردوغان، الذي حاول أن يَفْصِل تماماً بين الملك سلمان، وبين نجله "المُتهم"، من خلال حديثه الذي بدا ودِّياً تجاه الملك، الذي قال عنه بأنه لا يشك بمصداقيته، في إشارة منه –ربما- إلى عدم علم الملك بهذه القضية إلا من خلال وسائل الإعلام، بسبب أن نجله محمد والحاشية المحيطين به، يحجُبون عنه الكثير مما يحدث في الديوان الملكي، وداخل أجهزة الأمن والمخابرات السعودية.

أضف لذلك أنَّ الأتراك والرئيس أردوغان، المعروف بدهائه السياسي، يريدون -على ما يبدو- توظيف هذه القضية، للتقارب والتصالح مع المملكة العربية السعودية وليس العكس، للتباعد والتنافر معها، لأن العداء والقطيعة التامة، لا يصُب في مصلحة بلادهم من الناحية الاستراتيجية، فالمملكة يُمكن أن تكون حليفاً مُهماً جداً لتركيا، في حال تغيَّرت قيادتها الحالية، إلى قيادة جديدة تكون أكثر نُضجاً وعقلانية في تعاطيها السياسي، أكان على المستوى الداخلي أو الخارجي، وترتقي إلى لاعب إقليمي يكون بمستوى طموحات الأتراك والرئيس أردوغان.

الأتراك بذات الوقت لا يريدون خسارة سمعة بلادهم أيضاً أمام الرأي العام المتابع بشغف كبير لهذه القضية، ولن يسمحوا لأياً كان في ابتزازهم، ولذلك رأيناهم يسيرون بخُطى ثابتة وواثقة في ملف خاشقجي، ويرمُون بالكرة دوماً إلى الملعب السعودي والدولي، بينما يحتفظون بكل الأوراق القوية لديهم، لاستخدامها كلما اقتضت الحاجة لذلك، أكانت تسجيلات صوتية أو صُور أو بصمات أو أجزاء من الجثة، إلى غير ذلك من الأدلة التي قد تكون دامغة وقطعية. 

بالمُحصلة.. لعلَّ الأقدار قد لعبت دورها مع الأتراك والرئيس أردوغان هذه المرة، فالذي خطَّط للجريمة ليس غبياً بالضرورة، فهو بالتأكيد كان يقصِد فعل جريمته داخل الأراضي التركية، ضمن مُخطط كبير كان يهدف بالأساس إلى زعزعة الأمن في تركيا، بالتنسيق مع دولتين عربيتين ألمح إليهما أردوغان في خطابه، وهما مصر والإمارات، لكنَّ سوء الطالع للفاعل وخُبث نوياه، جعله يغفل عن خيط رفيع لم يكن ضمن خُطته أو فَرضيَّاته، وهو خطيبة جمال خاشقجي، التي لعب وجُودها دوراً محورياً في انكشاف الجريمة بوقت مُبكر، الأمر الذي جعل كل أوراق اللعبة بيد الأتراك، ومن يملك أوراق اللعبة وخُيوطها، فعلى الأرجح أنه سيصل إلى مُبتغاه بنهاية المطاف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.