شعار قسم مدونات

علماء الفرق الإسلامية وآراؤهم في الفكر الإباضي.. مقالات الإسلاميين "للأشعري" نموذجاً

BLOGS كتاب مقالات الإسلامين للأشعري

عند الحديث عن علماء الفرق الإسلامية وآرائهم في الإباضية يبرز كتاب (مقالات الإسلاميين) لأبي الحسن الأشعري، سنحاول في هذا المقال التعرف على ما كتبه الأشعري عن الإباضية ورد أحد علماء الإباضية عليه، فقد قام الشيخ علي يحيى معمر بدراسة عميقة لكتاب مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري وتبين له أن الأشعري لا يعرف عن الإباضية شيئاً وأن أكثر ما كتبه عنهم لا علاقة لهم به، ولا علاقة له بهم.

يقول يحيى معمر: والقارئ الكريم عندما يبدأ في قراءة ما كتبه الأشعري عند الإباضية يفهم أن الإباضية ينقسمون إلى أربع فرق كبرى هي هذه الفرق التي ذكرها وأن بعض هذه الفرق قد انقسم أيضا إلى فرق أخرى فرعية، وعند الرجوع إلى كتب الإباضية التي ألفت في عصر أبي الحسن والتي ألفت قبله والتي ألفت بعده، فإن القارئ لن يجد فيها شيئاً عن هذه الفرق، ولا عن أسمائها ولا عن آرائها ولا عن أئمتها.

وأقرأ ما شئت في كتب العقائد عند الإباضية، فإنك لن تجد ذكراً لهذه الفرق ولا آرائها وكل ما نستطيع أن نعتذر به عن إيراد أبي الحسن لهذه التفاصيل أنه وقع فريسة لبعض المشنّعين، فكان يتلقّى مقالات الفِرَق عن أشخاص يثق بهم، ولكنهم ليسوا في المحل الذي يراه لهم ويضعهم فيه من الثقة والصدق سواء كان نقله عنهم، عي طريق الرواية والسماع، أو عن طريق القراءة والاطلاع في كتب مدونة، فهو لم يشر إلى أيّ من ذلك على كل حال ويكفي فيما أعتقد لنفي أن يكون ما قاله أبو الحسن عن الإباضية صحيحاً جهلهم به وعدم ذكرهم لأي شيء منه في مراجعهم العامة والخاصة المكتوبة والمستحدثة.

ألف علماء الإباضية وأئمتهم الحقيقيون كثيراً من الكتب في التفسير والحديث والفقه بجميع فروعه، وفي التوحيد وعلم الكلام وفي أصول الفقه كتباً مختلفة منها القيم الذي يعتبر من أهم مصادر الثقافة الإسلامية

والباحث إذا تأمل ما جاء عن الإباضية في كتاب "مقالات الإسلاميين" لأبي الحسن الأشعري ثم قارنه بما عند الإباضية، سواء كان ذلك يتعلق بأسماء الأئمة والعلماء أو بأسماء الفرق أو بالآراء والمذاهب فإنه يخرج بنتيجة غريبة وهي أن ما أتعب الإمام الكبير نفسه وكتب فيه صفحات طوالا عن الإباضية فيما يظن لا علاقة له البتة بالإباضية وأن أولئك الأئمة الذين زعمهم أئمة الفرق منهم، ليسوا هم ولا فرقهم من الإباضية في قليل أو كثير، إذا صح هذا التعبير.

ويستطيع القارئ الكريم أن يعود إلى كتب التاريخ وكتب العقائد التي ألفها الإباضية قبل أبي الحسن الأشعري وبعده إذا شاء أن يتأكد ويعرف الحقيقة بنفسه وقد ألف علماء الإباضية وأئمتهم الحقيقيون كثيراً من الكتب في التفسير والحديث والفقه بجميع فروعه، وفي التوحيد وعلم الكلام وفي أصول الفقه كتباً مختلفة منها القيم الذي يعتبر من أهم مصادر الثقافة الإسلامية التي تشع نوراً على مختلف العصور ويعتبر من الذخائر التي تزخر بها المكتبة الإسلامية العامة، كما ألفوا في السير والتاريخ والتراجم ولا سيما سير أئمة الإباضية وعلمائها ولكنه ليس في شيء من هذه المؤلفات شيء مما ذكره الإمام الأشعري عن الإباضية في هذا الفصل من كتابه الكبير.

إن أبا الحسن لم يذكر أحداً من أئمة الإباضية كجابر بن زيد وجعفر السماك العبدي، وأمثالهم من أئمتهم في النصف الثاني من القرن الأول ولا في النصف الأول من القرن الثاني أمثال أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وضمام بن السائب، وأضرابهم ولا في النصف الثاني للقرن الثاني أمثال الربيع بن حبيب وأبي سفيان محبوب بن الرحيل، وأضرابهم ولا في النصف الأول للقرن الثالث أمثال أفلح بن عبد الوهاب وعبد الخالق القزاني وأضرابهم، ولا في النصف الثاني من القرن الثالث أمثال محمد بن محبوب، ومحمد بن عباد ولم يذكر شيئاً من أقوالهم.

ولم يذكر أحدًا من علمائهم في النصف الأول من القرن الرابع أمثال ابن خضر يعلي بن أيوب وأبي القاسم يزيد بن مخلد، ولا ذكر شيئًا من أقوالهم. وقد كان علماء هذه الطبقة، والطبقة التي سبقتها معاصرين لأبي الحسن الأشعري، فترك الإباضية الحقيقين برجالهم ومقالاتهم وألقيت بين يديه مقالات وأسماء لفرق مجهولة عند الإباضية كل الجهل وأقوالها تناقض ما عند الإباضية كل المناقضة فزعمت المصادر التي استقى منها أن هذه الفرق والمقالات للإباضية باعتبارهم إباضية أو منهم، والإباضية منها براء، فكيف وقع أبو الحسن في هذا الخطأ الشنيع؟! وقال علي بن يحي معمر: ولست أتهم أبا الحسن كما قلت غير مرة، ولكني أتهم المصادر التي استقى منها والمراجع التي اعتمد عليها.

الفترة التي عاش فيها أبو الحسن كانت فترة ازدهار علمي للإباضية في المشرق والمغرب ورغم ذلك فإن أبا الحسن لم يشر إلى أحد من معاصريه من علماء الإباضية

ثم ذكر شيئا مما نقله أبو الحسن الأشعري من أقوال الإباضية، ثم قال ولعله من المهم أن أوضح للقارئ الكريم أن جميع الأسماء التي وردت في الفصل الذي كتبه أبو الحسن عن الإباضية لا علاقة لها بالإباضية فيما عدا اسمين هما عبد الله بن إباض وهو الإمام الذي ينسب إليه المذهب، كان من الإباضية وخالفهم في بعض المسائل فانفصل عنهم وانتظم في فرقة النُّكَار، وأما محمد بن حرب ويحيى بن كامل اللذان نص أبو الحسن أنهما من متكلمي الإباضية ومؤلفيهم فإنه لا يوجد لهما أي ذكر عند الإباضية فيما اطلعت عليه ويؤسفني أن أرد على الإمام الكبير نصه هذا وله أن يحشرهما في أية فرقة أخرى.

ثم قال الشيخ علي يحيى معمر بعد دراسة لكتاب مقالات الإسلاميين فيما يتعلق بالإباضية: وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه أولاً في أن أبا الحسن لا يعرف الإباضية في الحقيقة وأن ما كتبه عنهم إنما نسب إليهم خطأً أو جهلاً أو قصداً للتشنيع. أما المقالات التي نسبها إلى الإباضية في عمومها، فهي مزيج مما يقرّه الإباضية. ويقولون به ومما ينكرونه، ومما يحكمون على من يقول به بالردة والكفر، وواضح من هذا أن ما جاء موافقاً لمقالاتهم وعقائدهم فإنما جاء عن طريق الصدفة، لا عن طريق الدراسة والمعرفة. واستخلص من مناقشاته لأبي الحسن الأشعري أموراً مهمة فقال: ويهمني في ختام هذا الفصل أن أؤكد من جديد للقارئ الكريم أنني أضع الإمام أبا الحسن فوق الشبهات، وإنما انجر إليه الخطأ عن طريق من وثق فيه، ونقل عنه، في عصر كثرت فيه النزاعات. ونستخلص من مناقشاتنا لأبي الحسن ما يلي:

أ. جميع الأشخاص الذين اعتبرهم أبو الحسن الأشعري إما رؤساء لفرق من الإباضية ومن متكلميهم لا وجود لهم عند الإباضية.

ب. الإباضية لا يعرفون أية فرقة من تلك الفرق التي نسبها أبو الحسن إليهم ولا يقولون بأكثر أقوالها.

ج. المقالات التي نسبها إلى الإباضية أو جمهورهم هي خليط مما يذهب إليه الإباضية، ومما يردونه، ومما يحكمون بالشرك على معتنقيه.

د. إن الفترة التي عاش فيها أبو الحسن كانت فترة ازدهار علمي للإباضية في المشرق والمغرب ورغم ذلك فإن أبا الحسن لم يشر إلى أحد من معاصريه من علماء الإباضية.

ومعنى ذلك كله أن الإباضية الذين كتب عنهم أبو الحسن لا وجود لهم في الواقع وأن الإباضية الموجودين في الواقع والذين كانوا يعيشون كما يعيش سائر الناس لا وجود لهم فيما كتبه عنهم أبو الحسن، أي أن أبا الحسن لم يكتب عن الإباضيين الحقيقيين. ومنذ ألّف أبو الحسن الأشعري كتابه "مقالات الإسلاميين" أصبح مصدرًا يستقي منه الكتاب ومرجعًا يعود إليه المؤلفون، فينقلون ما فيه من خطأ وصواب، وحق وباطل، تارة بالنص وتارة بالمعنى، وتارة يشيرون إليه وأحيانا يغفلون عن الإشارة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

1- علي محمد محمد الصلابي، الإباضية فرقة إسلامية بعيدة عن الخوارج، درا ابن كثير، بيروت، الطبعة الأولى، 2018، ص. ص (304- 311).

2- علي يحيى معمر، الإباضية بين الفرق الإسلامية، مكتبة الضامري للنشر، عمان، الطبعة الثالثة 2014، ص (25، 27، 41 ،42، 44، 52، 63، 72).

3- أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1950، ص.ص (186-189).

4- الإسفراييني، التبصير في الدين، تحقيق: محمد زاهد الكوثري وعزت العطار، القاهرة، مطبعة الأنوار، 1940م.ص56.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.