شعار قسم مدونات

عندما كاد ليبرمان أن يقف حدادًا على شهداء غزة!

BLOGS ليبرمان

هذا ما قاله لسان حال ذلك المتعجرف الذي تقلَّد منصب وزير الدفاع الإسرائيلي عندما خرج على وسائل الإعلام الإسرائيلية ليعلن استقالته من منصبه، بعدما جاء قراره على خلفية موافقة الحكومة الإسرائيلية على اتفاق وقف النار الذي وصفه بأنه "استسلام للإرهاب"، ولكن ما نطق به لسانه كان خير دليل على تلك الحالة التي وصل إليها، فقد قالها صراحة ودون مواربة والدهشة تغمره من أعلى رأسه حتى أخمص قدمه: "عقدت اجتماعات كثيرة مع مسؤولين عرب ولم يطرح أحد منهم موضوع فلسطين"، هذا فضلًا عن استنكاره قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السماح بإدخال 15 مليون دولار من دولة قطر إلى غزة، مدعيًّا أنها لصالح حركة حماس، وهي الأموال التي تأتي من قطر على استحياء دعمًا لقطاع غزة؛ لدفع رواتب الموظفين ولمساعدة العائلات الفقيرة.

الرجل محق بحساباته البسيطة؛ لأنه سرعان ما جنت غزة ثمار ذلك التصعيد العسكري الأهوج عليها، وكذلك تلك العملية الأمنية الفاشلة للقوات الخاصة الإسرائيلية في خانيونس دون أن يساندها أحد من ها هنا أو هناك؛ لأنه يعي ببساطة شديدة أن أنظمة الدول العربية لا تقل صهيونية عنه، وهو التصريح الذي لم يرَ أحد رجال الاحتلال سببًا لإخفائه، فقد صرَّح الإعلامي والأكاديمي الإسرائيلي إيدي كوهين الأسبوع الماضي على الشاشات بلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ قائلًا: "السيسي صهيوني أكثر مني"، ولن نذهب بعيدًا فعلى أرض فلسطين يظهر لنا مشهد أشد تصهينًا من زاوية أخرى.

 

ففي الوقت الذي تبذل فيه حركات المقاومة الغالي والنفيس لصد ذلك العدوان الآثم اللعين، يظهر مدير شرطة الخليل أحمد أبو الرب وهو يقوم بإصلاح سيارة جيب عسكرية تابعة لقوات الاحتلال وبجواره كمال مخامرة أمين سر حركة فتح في مدينة يطا، فالتصهين إذًا قد تجاوز حدود الدول العربية وارتدى ثيابه مَنْ يَدَّعون النضال ليلًا ونهارًا على أرض فلسطين، وهو مما زاد ليبرمان جنونًا واختلالًا!

ليبرمان.. عندما يجتمع الفشل مع الضحك
عدد الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس بلغت 400 صاروخ، وذلك بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، وهو العدد الذي كان أكثر من عددها في أي يوم في حرب "حجارة السجيل"

دائمًا ما يؤكد العقل والمنطق أن التعرف على الشخص الذي أمامي هو جزء أصيل من خطوات الحكم عليه؛ ولذلك كان لزامًا علينا البحث ولو قليلًا في أرشيف الرجل الذي اشتهر بالهزيمة النكراء على يد المقاومة في غزة، وبحسب ما قالته مجلة «فورين بولسي» في مايو 2016، فإن ليبرمان بدأ حياته حارسًا في ملهى ليلي بإسرائيل، وفي عام 1999 أسس وترأس حزب «إسرائيل بيتنا» وهو العام ذاته الذي انتُخِبَ فيه عضوًا بالكنيست الإسرائيلي لأول مرة، وتولى لأول مرة منصبًا وزاريًا في مارس 2001 حيث عُيِّن وزيرًا للبنى التحتية، لكنه ما لبث أن استقال في مارس 2002. 

وكما اشتهر الرجل بأنه ما تولى حقيبة وزارية إلا واستقال منها، إلا أنه أيضًا اشتُهِرَ بمواقفه المثيرة للجدل وتصريحاته العنجهيّة العنيفة التي سرعان ما تجعله عرضة للانتقاد من الإسرائيليين أنفسهم، فمن طرائفه أنه في عام 2001 نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عنه تهديده بتدمير السد العالي في أسوان في حال قامت مصر بتقديم الدعم للفلسطينيين، وفي عام 2009 قال عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك: "ليذهب إلى الجحيم" في حال إذا رفض القدوم إلى إسرائيل، كما وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عام 2014 بأنه "إرهابي دبلوماسي" بعد لجوئه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطين.

وفي ذروة الدعاية للانتخابات الإسرائيلية عام 2015، اعتبر أن "العرب غير الموالين لإسرائيل يستحقون قطع الرأس بالفأس"، وبعد أن حصل حزبه "إسرائيل بيتنا" في تلك الانتخابات على 6 مقاعد بعد أن صوت له 5.11 في المائة من الناخبين فقط، لم يجد وسيلة للتعبير عن غضبه وغطرسته جراء ذلك الفشل السياسي الذريع، سوى أن يلوَّح بقتل زعيم حركة حماس وقتها "إسماعيل هنية" في حالة عدم إعادته جثث الجنود الإسرائيليين الموجودين لدى الحركة، وخاطبه وقتها قائلًا: "إذا لم تُعِد جثث الجنود في غضون 48 ساعة، فسوف نقضي عليك وعلى قيادة حماس بأكملها"!

وها نحن في أواخر عام 2018 وغزة تنتصر وهنية وقيادات حركة حماس يجبرونه على الخضوع، وهو ما أراه كافيًا لصدق عنوان مقالتي أن الرجل يكاد يملأ جوفه غيظًا بقدر مساحة قطاع غزة بأكمله، يجعله يقف حدادًا على أرواح شهداء غزة؛ بسبب حسرته وجنونه الذي تجاوز حد التفكير في الانتصار مجددًا على مقاومةٍ عزيزةٍ أبيّةٍ جعلت أنفه يلاصق التراب؛ لعله يُهَدِأْ شيئًا قليلًا من شرارة الخلل العقلي التي أصابت العقلية العسكرية الآمرة الناهية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

نجاح حركة حماس عسكريًا وسياسيًا

وفي صبيحة عملية التسلل الفاشلة في خانيونس، كتب خبير الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلي عاموس هرئيل إنه من غير المتوقع أن تنفجر الأمور إلى حرب شاملة، خصوصًا أن نتنياهو كان قد أعلن من باريس قبيل ساعات من العملية حرصه على "تفادي انهيار الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وعدم شن عملية عسكرية أو خوض حرب جديدة"، إلا أن مئات الصواريخ التي هطلت على المستوطنات دفعت هرئيل، بجانب معلقين ومسؤولين إسرائيليين آخرين، إلى مراجعة آرائهم من جديد.

 

ففي صباح الثلاثاء عنوَّن هرئيل مقاله الجديد بعنوان: "العملية الفاشلة في غزة تضع كلًا من إسرائيل وحماس على شفا الحرب"، لتصطف بجانب مقالة محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "جيروزالم بوست" سيث فرانتزمان الذي قال إن ما جرى "يبدأ الحرب التي لا يريدها أحد"، موضحًا أن عدد الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس بلغت 400 صاروخ، وذلك بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، وهو العدد الذي كان أكثر من عددها في أي يوم في حرب "حجارة السجيل" عام 2012 التي لم يتجاوز عدد الصواريخ اليومية بها 100 صاروخ، وهو العدد الذي كاد يقترب من عدد كل الصواريخ اليومية التي أطلقتها حماس في حرب "الفرقان" التي تقول الخارجية الإسرائيلية إنها بلغت 571 صاروخ خلال الفترة ما بين 27 ديسمبر 2008 و18 يناير 2009.

لم يكن هرئيل هو الوحيد الذي صدمته المفاجأة بسبب رد فعل المقاومة، حيث كانت المفاجأة هي السمة الغالبة على ما يبدو في ذلك الحين، وتزامنت مع اعتراف إسرائيلي على لسان وزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، بأن حماس "هي التي فرضت شروطها"، بل وأن إسرائيل باتت "رهينة لقرارات حماس"، ليس بسبب كم الصواريخ المفاجئ وحسب؛ ولكن بسبب استخدام نوعية جديدة من الصواريخ من طراز "الكورنيت" المُوَّجَه الذي "كسر قواعد اللعبة وحطم الردع الإسرائيلي" وذلك بعد أن نشرت كتائب القسام فيديو استهداف حافلة نقل الجنود الصهاينة بعد تفريغها بصاروخ كورنيت، وهذا بحسب ما وضحه إيهود إيعاري الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية، وهو ما بدا واضحًا ليس في تهديدات أبو عبيدة العسكرية وحسب، بل أيضًا في دعوة حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس، نتنياهو لعزل ليبرمان "إن أراد إنهاء المواجهات"، وهي دعوة عكست حجم الثقة الكبيرة للمقاومة في هذه المواجهة.

سجال الحرب ما زال مستمرًا ولكن فوز حركة حماس في جولة كهذه زاد بالطبع من رصيدها السياسي والعسكري، وجعل حجم العدو المتغطرس يتضاءل أمامها
سجال الحرب ما زال مستمرًا ولكن فوز حركة حماس في جولة كهذه زاد بالطبع من رصيدها السياسي والعسكري، وجعل حجم العدو المتغطرس يتضاءل أمامها
 

والحسابات المادية هي الأخرى تؤكد حجم الخسارة الذي مُنيَّت به الخزينة الإسرائيلية، فعلى لسان مراسل عسكري في قناة الصهيوني كشف أن حجم ما أنفقه الكيان الصهيوني في جولة التصعيد الأخيرة الفاشلة على غزة، والتي استمرت نحو 40 ساعة فقط بلغ نحو 33 مليون دولار، وهو بمثابة كشف حساب صغير يعلن عن هزيمة وفشل غير مسبوق لجيش الاحتلال وانتصار سياسي وعسكري للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس.

ليبرمان ينهزم في استطلاع رأي إسرائيلي

وبحسب استطلاع للرأي أجرته الأسبوع الماضي هيئة البث الإسرائيلي الرسمية، يعتقد 49 في المائة من الإسرائيليين أن حركة حماس انتصرت خلال العملية العسكرية الأخيرة، فيما يرى 21 في المائة منهم أن إسرائيل انتصرت بينما يعتقد 15 في المائة أن الطرفين متساويان، كما أن 74 في المائة من الإسرائيليين غير راضين عن الأداء الأمني لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فيما أعرب 57 في المائة عن عدم رضاهم عن أداء وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل أفيغدور ليبرمان.

سجال الحرب ما زال مستمرًا ولكن فوز حركة حماس في جولة كهذه زاد بالطبع من رصيدها السياسي والعسكري، وجعل حجم العدو المتغطرس يتضاءل أمامها حتى كاد يقترب من حد الجنون الذي جعله يجلس على طاولة الحوار؛ من أجل لملمة أوراقه المتبعثرة من جراء الرياح العاتية التي سببتها صواريخ وقذائف كتائب القسام المجاهدة، وفي كل لحظة يرتفع صوتها بالهتاف مدويًّا:

سَدِّد يا ابن القسام وارمي فالحرب ضرام
 
قاوم في غزة هاشم واكتب نصر الإسلام

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.