شعار قسم مدونات

نسينا الواقع.. وعشنا على المواقع!

مواقع التواصل

أبطال مواقع التواصل الاجتماعي الذين أصبحنا نصنعهم من لا شيء، ونتضامن معهم لمجرد سماع قصتهم في هذه المواقع، بغض النظر عن أن قصتهم حقيقية أم مصطنعة، وبغض النظر عن أنهم يستحقون التضامن أم لا. كيف يُعقل أن أعمل على مشاركة فيديو لقصة شخص ما لمجرد أنني سمعتها؟ كيف يُعقل أن أتعاطف مع شخص ما بدون العلم هل هو الضحية أم الجاني؟

أنا شخصياً لا أتصور أن أتضامن مع قصة وأصدقها ما لم أعرف المشهد كاملاً، فلا يمكنني أن أتصرف على أنني القاضي أُبرأ شخص وأتهم شخص آخر، وأنني لا أعرف من القضية غير تلك الصور والفيديوهات وما كُتب عنها في مواقع التواصل الاجتماعي. أُفضّل أن أكون محايدة في مثل هذه الحالات، على أن أُضطر إلى تغيير رأيي بعد ذلك. ما نحتاجه فعلاً هو التريث في إطلاق أحكامنا وإعطاء آراءنا، خصوصاً إذا كانت القضية بيد القضاء، لربما نظلم أشخاصاً ونُشجع آخرين ليس علينا تشجيعهم.
 

بتنا نضيع بين الحقائق وأصبحت الآراء متضاربة بين مُدافع ومُهاجم لتتكون بذلك حروب إلكترونية نحن في غنى عنها، إلى جانب كل هذه الحروب التي يعيشها العالم اليوم.

فالأولى بتضامننا وتعاطفنا هم أشخاص حقيقيين من حولنا و في محيطنا نعرفهم ونعرف احتياجاتهم، فإن عملنا على مساعدتهم سواء معنوياً أو مادياً أو حتى نفسياً لن يحتاج أحد لنشر قصته التي يمكن أن يُكذبها البعض ويصدقها البعض الآخر.ما أحوجنا أن نساعد و نتضامن ونتعاطف في الواقع وليس على المواقع، فكم من شخص قريب منك يحتاجك ليرتاح نفسياً، أو ليأخذ منك نصيحة، لأننا أصبحنا في زمن كَثُر فيه التعب النفسي والذي نُهمله دائماً، حتى يتحول إلى مرض يتسبب غالباً في مشاكل ومصائب كالتي تقع اليوم.

نحن غير مضطرين أن نكون المحامي أو القاضي، نحن علينا أن نكون السند والقوة لأقربائنا وأصدقائنا وجيراننا، وألا نكون سطحيين في مشاعرنا تأخذنا العاطفة إلى التضامن مع قصة نجهل كواليسها لنضطر بعدها إلى تغيير رأينا فيها. بتنا نضيع بين الحقائق وأصبحت الآراء متضاربة بين مُدافع ومُهاجم لتتكون بذلك حروب إلكترونية نحن في غنى عنها، إلى جانب كل هذه الحروب التي يعيشها العالم اليوم. نحتاج الكثير من الرقي للتواصل إلكترونياً والتعامل مع القضايا التي تنشر سواء كانت غايتها إثارة الرأي العام أو كانت صادقة فعلاً.

الحياة أسهل إذا أردنا ذلك، لنتكلم ونكتب بموضوعية ونتحرى عن الحقائق ونتخلى عن الأحكام المسبقة وسوء الظن ونتوقف عن جعل الحمقى والتافهين مشاهير. ولنتذكر دائماً أن كل شيء في هذا الزمان يمكن تزييفه حتى المشاعر من الألم، الفرح والمرض كل شيء. فلا داعي لنزيف كل هذا لمجرد الحصول عل تعاطف أشخاص ما، نحتاج كثيراً أن نحمل مشاعر، أفكار، وأخبار وقضايا حقيقية تدفعنا للدفاع عنها والوقوف بجانب أصحابها، وانتزاع الحقوق التي من المفروض أن تعطى ولا تنتزع. ماذا لو لم تكن هذه المواقع؟ هل كان التشويه وإثارة الرأي العام بهذه السهولة.
  
لا أنكر أبداً أن لها دور جيد في حل الكثير من القضايا كحالات الاختفاء وجمع التبرعات لأشخاص محتاجين. هذه أشياء تستحق التنويه وأتمنى الاستمرار على هكذا مبادرات إنسانية تحمل في طياتها أشياء نبيلة ونادراً ما نراها في زمن قل فيه التكافل الاجتماعي وكثر فيه النفاق على أنه ديبلوماسية والتصنع على أنه رقي. لا أريد أبداً أن أكون متشائمة، لكن فعلاً هذا ما أصبحنا عليه في زمن السرعة والمصلحة الشخصية. أتمنى فعلاً أن نَكُف عن صناعة أبطال ومشاهير من لا شيء، وأن نُشجع من يستحق ذلك من مبادرات تضامنية وأشخاص ناجحين في مجالات مختلفة فالتشجيع يزيد من الإنتاج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.