شعار قسم مدونات

دبلوماسية الضعف والجنون والعداء.. هكذا تدير كوريا الشمالية سياستها

Blogs- north korean

اعتمدت كوريا الشمالية دبلوماسية التلويح بامتلاك القوة منذ سنوات حين اتخذت مبدأ التهديد بالاختبارات الصاروخية والنووية ضد جيرانها وضد الولايات المتحدة. إذا ما فشلت الاختبارات ستبدو ضعيفة، أما إذا نجحت، فستبدو خطيرة. ثبت نجاح دبلوماسيتها رغم اقتصادها المنهار والمجاعة التي عمد النظام على إظهارها إلى العالم إعلاميا، بالرغم من كونها دولة مغلقة دكتاتورية وبوليسية لا يمكن اختراقها بسهولة، حيث تمد القوى العظمى كوريا الشمالية بالغذاء والمساعدات لغرض إقناعها بعدم تطوير الأسلحة.

 

فتوافق كوريا الشمالية في بعض الأحيان على التوقف، ولكن بعد ذلك تستأنف أنشطتها النووية لغرض تعزيز موقفها سياسيا، فقد نجحت دبلوماسيتها في رفع مكانتها الاقليمية والدولية إلى حد جلوسها مع الولايات المتحدة واليابان والصين وروسيا وكوريا الجنوبية على طاولة المفاوضات في محاولة لإقناعها بعدم بناء أو تطوير أسلحة. وعندما يشتد الخناق عليها تعاود اختباراتها العسكرية وتدّعي أن اختباراتها موجهة إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، حيث يمثل الاختبار بحد ذاته تهديدًا.

ضعفاء.. مجانين.. وعدائيين يحملون سلاحا مدمر!

عندما انهار الاتحاد السوفياتي الداعم الرئيسي لبقاء النظام الشيوعي في كوريا الشمالية، مرت كوريا الشمالية في ضائقة اقتصادية شديدة. كانت هناك توقعات بأن نظامها سينهار قريبا، لكنها لم تستلم وكان هدف حكومة كوريا الشمالية بقاء النظام والاعتماد على نفسها في ذلك.

 

أظهر الكوريون الشماليون أنفسهم على أنهم عدائيين من خلال الظهور بأنهم يملكون قوة مدمرة، بنفس الوقت وضعوا أنفسهم على أنهم ضعفاء اقتصاديا لدرجة أنه لن يكون هناك أي داعٍ لمحاربتهم

دفعها الخوف والخشية من القوى الخارجية التي ربما تغزوها أو تدعم انتفاضة داخلية ضدها إلى اعتماد استراتيجية من شأنها أن تثني أي قوة عن محاولة تقويض نظامها. إن هذا الضعف الاقتصادي وانعدام الامن الغذائي والعزلة الدولية التي تمر بها يجب أن صاحبها قوة تهديد ذاتية ومجنونة، حيث وضع الكوريين الشماليين منذ التسعينات استراتيجية تظهر بها كوريا الشمالية بأنها عدائية وضعيفة ومجنونة في وقت واحد، حيث سخرت لها الدعاية وكافة الوسائل الحكومية لإظهارها بهذا الشكل داخليا وخارجيا، لتستمر بهذا المسار حتى وقتنا الحالي حيث نجحت في أخر المطاف من التقرب من الولايات المتحدة وفق صورة الضعيف المجنون العدائي الذي يحمل سلاحا مدمرا، أخيرا تم لقاء الزعيم الكوري كيم جونغ أون مع الرئيس الأمريكي ترامب في سنغافورة من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي، وهذا بحد ذاته نجاح لدبلوماسية واستراتيجية كوريا الشمالية في الحفاظ على نظامها حتى الآن.

أظهر الكوريون الشماليون أنفسهم على أنهم عدائيين من خلال الظهور بأنهم يملكون قوة مدمرة، في نفس الوقت وضعوا أنفسهم على أنهم ضعفاء اقتصاديا ومنهارين لدرجة أنه بغض النظر عن مدى عدائيتهم، لن يكون هناك أي داعٍ لمحاربتهم لأنهم سينهارون على أي حال، وبينوا أنفسهم أيضا على أنهم مجانين، من خلال دعايات النظام التي ترسم صورة النظام مما يعني أن استفزازهم سيكون خطيراً لأنهم على استعداد للانخراط في أكبر المخاطر التي يمكن تصورها عند أدنى استفزاز.

عملت بيونغ يانغ على الظهور بصورة عدائية من خلال استعراض قوة الجيش الكوري الشمالي في قصف سيول. وقد حشدت المدفعية على طول الحدود، حيث يمكنها أن تدمر العاصمة الجنوبية نظريا، بافتراض أن الشمال لديه ما يكفي من الذخيرة، وأن مدفعيتها تعمل، وأن القوة الجوية لم تدمر مدفعيتها الضخمة. لم تكن الرسالة أنها ستستهدف سيول، ولكن لديها القدرة على القيام بذلك. إن الدعايات التي أظهرت غموض وضعف وجنون وعدائية بيونجيانج كانت كافية لإثناء كوريا الجنوبية وحلفائها عن محاولة تقويض النظام، وإن تحركها في وقت لاحق لتطوير الصواريخ وتجارب الاسلحة النووية عزز من هذه الاستراتيجية حيث لم يكن هناك شيء يستحق حرب نووية، لكن غضب وخوف النظام في آن واحد لمحاولة تقويضه من الخارج هو الذي دفع نظام كوريا الشمالية لهذه المخاطرة.

لقد حاولت العديد من الدول تقليد كوريا الشمالية كالعراق في السابق وايران في الوقت الحالي، لكن الكوريين الشماليين أضافوا إليها خلطة رائعة : كونهم ضعفاء ويعانون من المجاعة، ان هذا التعامل الدبلوماسي لكوريا الشمالية الذي يمزج بين الضعف والعداء والجنون، رغم اقتناع القوى الخارجية بضعف قدرة كوريا الشمالية وعدم امكانياتها بشن هجوم لكنها لاتزال تشكل تهديدا لهم وحيرة وحذر وجدل عندما يتم المقارنة بين ضعف وقوة كوريا الشمالية في آن واحد.

انهم مجانين، وعملوا على الظهور بمظهر لا يمكن التنبؤ بردة فعله، بالنظر إلى تهديداتهم واطلاقهم للصواريخ التي يرافقها ضحكة الزعيم الكوري وعدائية جيشه والخطابات المتهورة، فهم على ما يبدو أنهم يرحبون بالحرب في بعض الأحيان، أكدوا أنهم كانوا مجانين عبر خطوات مثل غرق السفن الكورية الجنوبية بعد ضربها دون سبب واضح. وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لغرض اختبارها والتي مرت من فوق اليابان وسقطت على بعد اميال في البحر بالقرب من اليابان، انهم كطفل ضعيف وعدائي ومجنون يحمل سلاحا مدمرا ولا يمكن التنبؤ بتحركاته وأفعاله.

طالما بقي الكوريون الشماليون ضعفاء وعدائيين ومجانين، فإن أفضل شيء فعله هو عدم إغضابهم أكثر من اللازم وعدم المزح معهم. إن دور الضعيف والمجنون فهو دور يمكن الحفاظ عليه من قبل كوريا الشمالية، لكن الحفاظ على دور العدائية أكثر صعوبة بالنسبة لها. فقد اضطروا إلى تجنب المبالغة في هذا الدور بعد اللقاءات التي حصلت مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والضمانات التي قدمتها بعدم استفزاز الجيران بعد ذلك بأي مظهر عدائي وفقا لكلمة وجهها الى نظيره رئيس كوريا الجنوبية بعد زيارته التاريخية لها بعدم إيقاظه من النوم بعد الآن على إنذارات متعلقة بإطلاق صواريخ.

 

اعتادت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية التوجه إلى الصين دائما للتدخل وإقناع الكوريين الشماليين بعدم القيام بأي شيء طائش
اعتادت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية التوجه إلى الصين دائما للتدخل وإقناع الكوريين الشماليين بعدم القيام بأي شيء طائش
 

نجحت كوريا الشمالية في الحصول على موقع مهم إعلاميا وعالميا من خلال التهديدات الخطابية يرافقها التجارب الصاروخية لتصبح تهديدًا عالميًا كبيرًا في أعين القوى العظمى وأعين جيرانها، لذا فإن الكوريين الشماليين ليس لهم مصلحة في ترك هذا الموقع على الاقل بعد نجاح استراتيجيتهم في منع سقوط نظامهم لكن دون المبالغة به او الرجوع الى الوراء وخسارة ما تم الحصول عليه من نجاحات دبلوماسية في الوقت الحاضر.

الاحتماء بالتنين الصيني

اعتادت الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية التوجه إلى الصين دائما للتدخل وإقناع الكوريين الشماليين بعدم القيام بأي شيء طائش. لقد رسخ هذا النمط الدبلوماسي نفسه بقوة لدرجة أننا نتساءل عن الدور الصيني الحقيقي في الوقوف خلف كوريا الشمالية. ليتأكد لنا أهمية هذا الدور من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها زعيم كوريا الشمالية إلى الصين بالقطار لتبدأ بعدها المهادنة الدبلوماسية لكوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بمباركة الصين، حيث كانت الصين في السابق تتستر وتتغافل عن استفزازات كوريا الشمالية لجيرانها، فعندما يتأزم موقف الصين في نزاعاتها البحرية الاقليمية مع حلفاء الولايات المتحدة في بحار جنوب وشرق الصين، تستخدم الصين الرقص الدبلوماسي حين يطلب الأمريكيون واليابانيون من الصينيين التوسط مع الكوريين الشماليين.

 

الصين سترحب فليس لديها ما تخسره نظرًا لأن الشمال قد فجر قنبلة نووية وانتهى الامر. إلا إن الأمريكيون واليابانيون الذين يخشون بشكل رهيب مما سيفعله الكوريون الشماليون الضعفاء والمجانين والعدائيين، سيكونون ممتنين للصين لنزع فتيل "الأزمة". مستغلة الصين في المقابل قضاياها حول التجارة أو الجزر الصغيرة المتنازع عليها ،عندها تستخدم الصين قوتها لإجبار كوريا الشمالية على التوقف.

التلميذ الإيراني

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن دولا أخرى قد تعلمت أسلوب العدائية والضعف والجنون من كوريا الشمالية. إيران هي أفضل تلميذ. لقد صورت نفسها بشكل مقنع بأنها عدائية عبر برنامجها النووي، وتتابع برنامجها إلى ما لا نهاية لتتوقف عندما يشتد الضغط عليها. كما يُنظر إليها باستمرار على أنها ضعيفة وتواجه باستمرار أزمات اقتصادية وحشود غاضبة من الشباب الإيراني، وسواء كان بوسع إيران أن تلعب دور الضعيف بمهارة مثل كوريا الشمالية، فإنها لا تزال غير واضحة، رغم رفض ترامب للاتفاق النووي وفرض العديد من العقوبات الاقتصادية على إيران، فهل ستستخدم الولايات المتحدة نفس الاسلوب الذي استخدمته مع كوريا الشمالية لغرض تركيعها اقتصاديا، أم إن إيران عمدت على استخدام نفس اسلوب كوريا الشمالية لغرض الإبقاء على نظامها. نقاط الفرق اثنتان: أن إسرائيل ليست جارة لكوريا الشمالية وأن إيران لم تمتلك حتى الآن السلاح النووي مثل كوريا الشمالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.