شعار قسم مدونات

القوة الناعمة.. كيف يروج الأتراك والفرس لتاريخهم وثقافتهم؟

blogs مكتبة إسلامية

إن الأمم القوية تقوم بنفسها بمهمة التعريف بتاريخها وبثقافتها ولغتها، ولا تترك الفرصة للآخرين ليعرفوا بها وبثقافتها وتاريخها على الطريقة التي يريدون. وبذلك تحفظ صورتها من التعرض للتشوه، بل وتحسنها بتسليط الضوء على الجوانب المهمة من تاريخها وحضاراتها. ومن الوسائل المهمة في تحسين صورة شعب ما لدى الشعوب الأخرى البعثات الدبلوماسية والمراكز الثقافية. لقد أدرك الجاران التركي والفارسي أهمية المراكز الثقافية أو ما يطلق عليه القوة الناعمة في التأثير في الشعوب الأخرى، فقد قامت هاتان الدولتان بتأسيس العديد من المراكز الثقافية في العالم عامة، والعالم العربي بشكل خاص، وقامت كل واحدة منهما من خلال هذه المراكز بالتعريف بثقافتها وتعليم لغتها ونشرها، ونجحتا إلى حد ما في تحسين صوتيهما في العالم عبر هذه المراكز، كما استطاعتا حماية رعاياهما أو من في حكمهم.

أما نحن العرب فقد تركنا مهمة التعريف بنا وبتاريخنا وحضاراتنا إلى المستشرقين والمستغربين. فصنعوا لنا الصورة التي يريدون في أذهان الشعوب الأخرى. فقلما نرى اهتمامًا برعايا الدول العربية من قبل حكوماتها من الجانب الثقافي. فالرعايا العرب الذين يعيشون في المجتمعات الأخرى يميلون بشكل عام إلى تبني ثقافة الشعوب التي يعيشون معها تحت شعار الاندماج، فيتكلمون بلغاتها، وينسون لغتهم وثقافتهم، كما أنهم لا يراجعون سفارات بلدانهم إلا لأخذ أوراق رسمية، فلا نشاطات ثقافية، ولا مراكز ثقافية عربية فعالة، ولا ندوات ولا لقاءات ولا مؤتمرات ولا دورات لتعلم اللغة العربية سواء للرعايا أو الأجانب تقيمها السفارات، إلا في حالات نادرة.

إذا كان هناك شيء واحد ينقص مدينتي إسطنبول وطهران فهو المركز الثقافي العربي الفعال الذي يجمع تحت سقفه العرب، لتحسن صورتهم في الخارج

ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين ما تقوم به الملحقيات الثقافية الإيرانية والتركية وما تقوم به الملحقيات الثقافية والمراكز الثقافية العربية للبلدان العربية مجتمعة لرجحت كفة الإيرانيين والأتراك. إنهم يروجون لثقافتهم ولغتهم بشكل جيد، خارج حدود بلادهم بواسطة سفاراتهم ومراكزهم الثقافية يصدرون الكتب بلغتهم وبلغة الشعوب المستهدفة، ويقدمون المنح للطلاب والباحثين، وينشؤون المدارس والجامعات، وينظمون الفعاليات والأنشطة الثقافية في مناسبات مختلفة، ويعلمون من يرغب من الأجانب لغتهم مجانًا أو بأجر رمزي، ويعملون على افتتاح أقسام لتعليم لغتهم في الجامعات المحلية الحكومية، ويوفرون الكادر التدريسي لهذه الأقسام مجانًا، ويحضرون النشاطات والفعاليات التي تقيمها هذه الأقسام ويدعمونها ماديًا ومعنويًا. أما سفاراتنا فلا تقوم بشيء من ذلك، وإن قامت بشيء من هذا تقوم به على استحياء، أذكر هنا مثالًا على ذلك حضور ممثلين اثنين من ممثلي الدول العربية الاثنين والعشرين نشاطات وفعاليات قسم اللغة العربية في جامعة إسطنبول على الرغم من دعوتهم جميعا.

إن المراكز الثقافية التركية (معاهد يونس أمرة) موجودة في أكثر من ١٠ عواصم عربية، كذلك الملحقيات الثقافية الايرانية. أما البلدان العربية فليس لها نشاط ثقافي ذي بال في هاتين الدولتين على الرغم من أن الجاليتين الإيرانية والتركية في بلادنا أقل بكثير من العرب في إيران وتركيا. فعدد العرب في مدينة إسطنبول وحدها يصل إلى ثلاثة ملايين عدا المتحدثين باللغة العربية من الأتراك والشعوب الأخرى. زد على ذلك إن الفرس والترك يحسون بحاجة ماسة لتعلم اللغة العربية والاطلاع على الثقافة العربية لفهم دين الإسلام بالإضافة إلى فهم موروثهم الثقافي المكتوب بالعربية، وتعلم العربية أشبه ما يكون بالفرض الواجب لدى شريحة واسعة من الشعب. لذا نجد أن تعلم العربية هاجس يشغل العديد من الترك والفرس.

في الحقيقة إذا كان هناك شيء واحد ينقص مدينتي إسطنبول وطهران فهو المركز الثقافي العربي الفعال الذي يجمع تحت سقفه العرب في هاتين المدينتين إلى جانب الأتراك والفرس المتحدثين بالعربية وما أكثرهم، ويقوم بفعاليات ونشاطات تعرف بالعرب وثقافتهم، لتحسن صورة العرب في الخارج، ويسعى إلى خلق رأي عام متعاطفة من القضايا العربية، كما يبني جسور بين الشعب العربي ومواطني هذه الدول، ويشجع الطلاب والباحثين الذين يتناولون القضايا العربية في أبحاثهم، إلى جانب ذلك يقوم بتقديم الدعم للجاليات من البلاد العربية ويساعدهم على التمسك بهويتهم وثقافتهم، فيمنع بذلك انصهارهم في بوتقة الشعوب الأخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.