شعار قسم مدونات

الحب والوجود.. هل نحب الشخص لذاته أم لصفاته؟

blogs couple

"الحب هو وحده القادر على إشعارنا بأن وجودنا أصبح مبررا ومشروعا"
– جان بول سارتر

يبدأ إدراك البشر لوجودهم ومحيطهم عبر إدراكهم لجسمهم وفهمهم للحياة، وفي الصراع نحو فهمنا للوجود ندرك مفهوم الحب عن طريق نمو الأحاسيس، فالحب يمثل الوجود المثقن الجميل، لقد ظل الحب تجربة ضرورية منذ فجر الوجود البشري يرفع الإنسان لدرجة ملامسة إنسانيته الكاملة ومميزاتها، كان أرسطو يقول: "أن نحب يعني أن نستمتع بالحياة"، فبدون الحب تغيب البهجة عن الحياة وتنطفئ السعادة ويتخلخل الوجود.

يقول إريك فروم أن أي نظرية عن الحب يجب أن تنطلق من نظرية عن الإنسان وعن الوجود الإنساني، بالنسبة له فالحب جواب يملأ الفراغ الذي يعيشه الإنسان ورد فعل ضد القلق والعزلة اتجاه الكون، إن الحاجة للتوحد مع شخص أخر وربط مصائرهما معا هو الحل الأمثل للعزلة البشرية وانفصالها. يقاوم البشر النقص بالحب، فنبحث عن حبيب مثالي تتوفر فيه نواقصنا أو نلصق فيه خيالنا ومتمنياتنا جاعلين منه حبيبا مثاليا، فهل نحن في الأصل نحب الشخص لذاته وكينونته أم نحب صفاته فقط؟

معضلة الحب عند جاك دريدا
لا يؤمن الحب بأي قوانين ما عدى قانون السمو، فعبر السمو يرفض الحب كل إشكال الواقع ويتمسك بالتعالي، وهنا تكمن عظمته وفي نفس الوقت خطورته

يفكك الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا مفهوم الحب عبر وضع تقابل بين الـ(من) والـ(ماذا)، فإذا أحببنا شخصا ما فهل نحن نحبه لأنه فلان بالضبط أم نحبه لأنه يمتلك صفات معينة، بتعبير مبسط يطرح دريدا سؤال "هل الحب هو حب شخص ما أم حب شيء ما في ذلك الشخص؟". عادة ما يبدأ الحب بإغراء ما، ينجذب المرء إلى آخر لأن الأخر كذا وكذا.. وبشكل عكسي يصاب الحب بخيبة أمل ويموت حينما يدرك أن الاخر لا يستحق حبنا، بعبارة أخرى يرى جاك دريدا أن تاريخ الحب مقسم بين الـ(من) والـ(ماذا)، ولم يكتفي دريدا بوضع هذا التساؤل في موضوع الحب بل يمدده إلى أهم أسئلة الوجود وهو ماذا يعني أن "نكون"، فسؤال الوجود انقسم أيضا بين الـ(من) والـ(ماذا)، ويعتقد جاك دريدا أن أي شخص بدأ في الحب أو يحب أو كف عن الحب واقع بين انقسام الـ(من) والـ(ماذا)، يرغب المرء في أن يكون مخلصا لشخص ما لكنه يكتشف أن ذلك الشخص لا يمتلك الصفات والخصائص التي يعتقد بأنه يحبها، إذن فالإخلاص في العلاقات مهدد بالفرق بين الـ(من) والـ(ماذا).
 

هل ندرك حقا من نحب؟

لا يؤمن الحب بأي قوانين ما عدى قانون السمو، فعبر السمو يرفض الحب كل إشكال الواقع ويتمسك بالتعالي، وهنا تكمن عظمته وفي نفس الوقت خطورته، فبين مقولة الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز "أنت فان بلا حب، وخالد مع الحب" ومقولة عالم النفس الفرنسي جاك لاكان "الحب هو نوع من أنواع الانتحار"، يبقى إدراكنا للحب وللفرد الذي نحب  إشكالا فلسفيا يتخبط بين الخيال والواقع. يرى جاك لاكان أنه من المستحيل معرفة من نحب لأن هويتنا تبقى محبوسة داخل الجسد ولا يظهر منها للعالم سوى الشكل الخارجي والذي لا يمكن أن يجيب عن سؤال من نكون حقا، ويعتقد جاك أننا نلصق خيالنا عن الحبيب الذي نحلم به فوق جسد الحبيب الواقعي ونغرم بحبيب اختلقته خيالاتنا.

وفي نظرية ستاندال عن التبلور والتي وصف فيها الحب كغصن شجيرة سقط في منجم للبلور ثم تراكمت فوقه البلورات حتى اختفى شكله الحقيقي وأصبح بمظهر جميل، في هاته النظرية يقول ستاندال اننا عندما نبدأ في حب امرأة ما فنحن نتوقف عن رؤيتها كما هي في الواقع ونبدأ في إسقاط عدة أوصاف جميلة ترفع منها لدرجة المثالية. يظهر الحب إذن مجالا يحكمه الخيال والأوهام، فكيف سندرك أننا نحب شخصا ما ولا نحب فقط خيالنا عنه؟

يقول الفيلسوف السلوفاني جيجيك بأننا لا يمكن أن نحب شخصا كاملا فلا بد من وجود شيء صغير يزعج فيه، وبملاحظتك لذلك الشيء يمكنك إدراك أنك تحبه بالفعل وأن تقول بكل ثقة أنك تحبه رغم عيوبه، ولابد هنا من استحضارم قولة للكاتب المصري نجيب محفوظ "أقصى درجات السعادة أن نجد من يحبنا فعلا، يحبنا على ما نحن عليه، أو بمعنى أدق يحبنا رغم ما نحن عليه".

 يقوم الزواج المثالي على الأهداف المشتركة والأفكار والآراء المتبادلة التي تسمح بتجدد الحب كلما انطفئت العاطفة والرغبات وروعة الأيام الأولى، وعندما تعصف بالزواج رياح الملل سيتجدد الحب بطرق بسيطة
 يقوم الزواج المثالي على الأهداف المشتركة والأفكار والآراء المتبادلة التي تسمح بتجدد الحب كلما انطفئت العاطفة والرغبات وروعة الأيام الأولى، وعندما تعصف بالزواج رياح الملل سيتجدد الحب بطرق بسيطة

هل الحب وحده يكفي؟

ماذا عن رأي الفيلسوف العدمي نيتشه حول الحب؟ لا شك أن صدماته العاطفية مع حبيبة عمره سالومي قد أثرت على رؤيته للحب حينما قال: "الحب، ماذا يعني الحب؟ مجرد فترات هيجانية جنونية قصيرة تنتهي بفترة حماقة طويلة: الزواج". لكن من جهة أخرى فنيتشه ليس معارضا للزواج ككل، إنما هو معارض لفكرة الزواج الذي يبنى فقط على مشاعر الحب، لأن الحب في نهاية الأمر شعور وإحساس محكوم بالتقلب والتوتر ككل المشاعر والأحاسيس، ولا يصلح أن يكون أساسا لشيء ننتظر منه أن يدوم للأبد كالزواج.

لقد عارض نيتشه الأفكار الوردية حول الزواج المبني على الحب فقط، لذلك فقد كان نيتشه يرى أنه من الغباء أن يتواعد الافراد فيما بينهم بشعور لا يتحكمون فيه أصلا، ولكي ينجح الزواج والارتباط يجب أن يفهم الأزواج أن ما يحسون به غير كافي لنجاح مؤسسة الزواج. يقول ريك من المسلسل الكارتوني ريك ومورتي: "الحب ليس سوى تفاعلا كيميائيا يضرب ضربته ثم يتلاشى تاركا إياك في زواج فاشل".

يجب إذن على الزواج ألا يتأسس على الحب فقط، يقول نيتشه "لا تتزوج بمن تشعر أنك تحب، تزوج من تستطيع تخيل نفسك تقضي معه ساعات طويلة كل يوم طوال حياتك في الحديث إليه". يقوم الزواج المثالي على الأهداف المشتركة والأفكار والآراء المتبادلة التي تسمح بتجدد الحب كلما انطفئت العاطفة والرغبات وروعة الأيام الأولى، وعندما تعصف بالزواج رياح الملل سيتجدد الحب بطرق بسيطة، بعنوان كتاب أو أغنية وبفكرة مشتركة ستجعل كل واحد منكم يقول "أنت نصفي الأخر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.