شعار قسم مدونات

حتى لو كانوا برآء من الماسونية.. العرب لا يملكون قرارهم!

BLOGS جامعة الدول العربية

عطفا على ما سبق أرى وجوب التأكيد على أن الماسونية حقيقة وليست خيالا ولها محافل في أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها، وانتسب وينتسب إليها شخصيات سياسية وعسكرية وأدبية وعلمية بارزة خاصة في بلاد الغرب، ولا شك في هذا.

يمكن هزيمة الماسونية

ولكن الاعتقاد أو الظن بأن الماسونية هي المتحكم بهذا العالم مرفوض بالنسبة لي من منطلق عقائدي واضح؛ فالماسونية هي من نتاج غواية الشيطان وكيده، بل هي تقدس الشيطان في بعض رموزها وطقوس التابعين لها؛ ولكن هذا الشيطان وصف الله سبحانه وتعالى كيده في سورة النساء فقال –جل وعلا-: "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا". وإبليس من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، وفي فترة انتظاره عمل ويعمل وسيظل يعمل على غواية واستدراج من يستطيع من بني آدم، ولكن قدرته محدودة بقرار رباني (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)-سورة الحجر(42).

 

فأتباع الشيطان هم الاستثناء لا القاعدة، وكلما كان الناس، أو فئة منهم ينحرفون في عقيدتهم فيعبدون الأوثان والأصنام والكواكب كما في قوم إبراهيم وغيرهم من الأقوام المذكورة في القرآن الكريم أو في سلوكهم كما في قوم لوط، كدلالة على تفشي غواية الشيطان كان الله سبحانه وتعالى يرسل المرسلين مبشرين ومنذرين، وكان يسرع العقوبة أحيانا لمن يرفضون الانصياع إلى الدين الحق، فيدمرهم عن بكرة أبيهم، أي أن غواية الشيطان لا تطغى على الأرض وإن ظهر عكس ذلك، ولكن الصراع مستمر، فالشيطان أقسم (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).

 

ولما اكتمل دور الأنبياء والمرسلين بمحمد النبي الأمين، فخـتمت به مرحلة الوحي في تاريخ ومسيرة الإنسان، كان هناك دور التجديد والإصلاح لإعادة الناس إلى جادة الصواب عند انحرافهم وظهور غلبة الشيطان على حياتهم، خاصة أن خاتم النبيين ترك للناس القرآن والسنة ومعهما لا ضلالة أبدا، ودور المصلحين إرشاد الناس للعودة إليهما، ولقد رأينا أمثال هذا في الماضي والحاضر.

إن إسرائيل التي اختزلت اليهود واليهودية وحتى الماسونية (بزعم أن هذه حركة بنائين أحرار) تقود هذه المجاميع نحو خسارة مؤكدة ونهاية بشعة، لن يترحم أحد عليها من سوء صنيعها

أقول هذا مستذكرا أن الماسونية نبت شيطاني، ومهما بلغت ووصلت فإنها محدودة التأثير زمانا ومكانا، ولا يمكن أن تهيمن على هذا العالم. ومن ناحية أخرى فإن الماسونية تعتبر نفسها ابنة لجماعة فرسان الهيكل؛ وقد كان مصير تلك الجماعة ما ذكرته في المقال السابق، والماسونية ليست بعيدة عن مصير يشابه أمها؛ بل عادة ما نسمع عن حملات تستهدفها في الدول الغربية، وإن كانت محدودة نسبيا. فالماسونية ليست شيئا غير قابل للهزيمة.

 

وأنوه أن تركيا التي فعلت فيها الماسونية أفاعيلها منذ زمن طويل نسبيا قد تطرقت بعض مسلسلاتها إلى أن هناك جماعة تتصدى لجماعة الشيطان؛ ففي مسلسل (وادي الذئاب) أطلق اسم (الختيارية/الختايرة) على مجموعة منظمة تتولى الدفاع عن العدالة والأوطان، وفي مسلسل (قيامة أرطغرل) يسمى هؤلاء الأخيار (ذوي اللحى البيضاء)، فمثلما هناك قوى شر منظمة، فإن قوى الخير لا تتوقف عن التصدي والمقاومة. هذا في الدراما وعلى أرض الواقع تشن السلطات التركية حملة ضد فرع الماسونية المعروف بالتنظيم الموازي بزعامة القابع في أمريكا (فتح الله غولن) والذي أكدت مصادر عدة أنه يحمل(وسام الشرف الماسوني) وهو عضو في الماسونية منذ شبابه.

 

لا استهانة بدور اليهود والماسونية

بهذا ربما يظهر أنني أقلل أو أهوّن من شر وخطر الماسونية، أو أنني أعتبره خطرا عابرا، ولكن ليس هذا ما أرمي إليه، كما أنني لا أقلل من خطر بعض اليهود في العالم، ومنهم مثلا عائلة (روتشيلد) ذات التأثير المالي والسياسي الكبير في الغرب وفي الكيان الغاصب (إسرائيل) بل إن هذه العائلة تعتبر من مؤسسي هذا الكيان؛ فأحد رجالها النافذين (اللورد ليونيل روتشيلد) هو من تلقى التصريح المعروف بوعد بلفور، في مثل هذه الأيام قبل 101 سنة. فمن الغباء أو السذاجة التهوين من دور القوم، ولكن أعيد التأكيد على أن العالم لم ولن يخضع لسيطرة طرف واحد مهما بلغ من قوة وجبروت.

 

وفي كل الأحوال فإن وضع اليهود وإن بدا مهيبا، هو ليس كذلك في حقيقته؛ فإذا كان شكسبير يظهر اليهودي في صورة (مرابي جشع لئيم) فإن الصورة تغيرت لنرى اليهودي آينشتاين يقلب الفيزياء رأسا على عقب بنظرية النسبية، إضافة إلى شخصيات يهودية أخرى ظهرت في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أبدعت في مجالات العلوم والطب والفلسفة والأدب، ولكن الحال الآن اختلف إلى جندي يقتل الأطفال العزل أو يتسبب للشباب بحالات إعاقة دائمة، مما يجعل (شايلوك) بالنسبة ليهودي اليوم شخصا طيبا أو يمكن التعايش معه على الأقل، وقد أشار الأستاذ يحيى السنوار قائد حركة حماس في غزة إلى هذه الفكرة عن يهودي ما قبل الصهيونية، ويهودي ما بعدها، في مقابلة صحفية.. وبالتالي فإن إسرائيل التي اختزلت اليهود واليهودية وحتى الماسونية (بزعم أن هذه حركة بنائين أحرار) تقود هذه المجاميع نحو خسارة مؤكدة ونهاية بشعة، لن يترحم أحد عليها من سوء صنيعها.

 

لا يعقل أن يترك الأمريكان حكامها دون لجام وقيود من شتى الأنواع، ودون أن يجعلوا شعوبها تحت وطأة الاستبداد، والغزو الثقافي المنظم، بحيث يصبحون في حالة تيه وحيرة في نظرتهم إلى ذاتهم وحقيقة هويتهم
لا يعقل أن يترك الأمريكان حكامها دون لجام وقيود من شتى الأنواع، ودون أن يجعلوا شعوبها تحت وطأة الاستبداد، والغزو الثقافي المنظم، بحيث يصبحون في حالة تيه وحيرة في نظرتهم إلى ذاتهم وحقيقة هويتهم
 
أين العرب؟

ولكن موضوعنا هو العرب وليس الغربيين ولا الأتراك ولا اليهود؛ ونحن نسأل عن حقيقة استقلال العرب. إن الكيانات السياسية العربية أقيمت بقلم المستعمر الأوروبي، وهذا لا شك فيه، وهذا المستعمر إذا رحل بجيوشه (وهي حاليا تعود إلى مختلف الأقطار بوقاحة) فإن عوامل التأثير الأخرى ظلت موجودة؛ فجيوش العرب وضباطهم المؤسسين إما تلقوا علومهم العسكرية في أكاديميات ومدارس عسكرية غربية، أو أن من دربهم وأشرف على تسليحهم، وغرس فيهم الأفكار والمعتقدات هو من صلب المنظومة الاستعمارية الغربية.

 

وبالتالي لو فرضنا انعدام وجود الماسونية المثيرة للجدل في الكيانات العربية، حد الطهارة المطلقة منها -مع أن هذا ليس الواقع- فإن هذا العامل (التأسيس الاستعماري للكيانات) واضح التأثير. كما أن الكيانات العربية تشتري السلاح وتحصل على المعونات من دول عظمى وكبرى تفرض عليها اشتراطات سياسية وثقافية واقتصادية، وليس فقط الثمن المالي الباهظ لهذه الأسلحة والمعدات العسكرية.

 

وقد ورث الأمريكان دور الإنجليز والفرنسيين في الهيمنة على المنطقة العربية سياسيا وأمنيا وعسكريا، وإلى حد ما ثقافيا، وهذه المنطقة فيها أكبر مصادر النفط، وأهم الممرات البحرية التي تستخدم في جزء كبير من التبادل التجاري، ولا يعقل أن يترك الأمريكان حكامها دون لجام وقيود من شتى الأنواع، ودون أن يجعلوا شعوبها تحت وطأة الاستبداد، والغزو الثقافي المنظم، بحيث يصبحون في حالة تيه وحيرة في نظرتهم إلى ذاتهم وحقيقة هويتهم.

 

ولكن الأمريكان قد سمحوا أحيانا بهوامش لبعض النظم كي تتحرك من خلالها، فسمحوا لبعضها بالتسلح من السوفييت وإظهار لهجة عدائية ضد الأمريكان، ولكن ظل الأمريكي من وراء الكواليس ممسكا بزمام اللعبة؛ فالولايات المتحدة يهمها ضمان أمن إسرائيل وتفوقها، وضمان تدفق النفط، ولتُحرَق أعلامها وليشتمها من شاء من حكام العرب وإعلامهم.. ولكن هذا الأمر لم يطل كثيرا، وأخذ الهامش يضيق وصارت تتكشف لنا حقائق مدهشة عن مدى تبعية الأنظمة العربية للأمريكان في أدق التفصيلات، وليس فقط في السياسات العامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.