شعار قسم مدونات

المسلسلات التركية وتشكيل الدماغ الأنثوي العربي!

blogs مسلسل تركي

لا أحد ينكر أن الأفلام والمسلسلات لها من المزايا ما لها من العيوب أيضا حيث يمكن اعتبارها البوابة الأكثر تسلية عند أغلب المشاهدين ولما لا الأكثر تثقيفا أيضا إذا حسن اختيارها أو بالأحرى غربلتها. ويأتي مصطلح "فرمتة" هنا بعدما كثر بحثي عن أكثر كلمة يمكنها إيصال المعنى المطلوب حتى وقعت على هاته الكلمة الغريبة عن العربية لعلي أقترضها من لغات أخرى ليس انتقاصا من اللغة العربية الحبيبة ولكن لمخزوني اللغوي المتواضع. وتأتي الكلمة كتعبير عن مدى تأثر الفكر الأنثوي العربي بثقافة جديدة لدرجة اندثار ثقافتنا لتحل محلها الثقافة للتركية بمبادئها وأفكارها وعاداتها.

لكن واقعنا اليوم يثبت أننا لم نحسن اختيار ما نشاهده ولم نحسن الرقابة على أنفسنا ولا مراقبة أولادنا. وفي ظل ما نراه اليوم من دخول قوي واكتساح جبار للأفلام التركية على الساحة الفنية فإن الأمر ربما يستوجب طرح العديد من الأسئلة التي من الممكن أن تساعدنا في حل المعضلة. من المستهلك الأول لهاته الأفلام والمسلسلات؟ ما الفائدة المتوخاة من استهلاكها؟ وهل نعرف حقا ما الذي نستهلكه أم العشوائية تطغى على اختياراتنا؟

أخص بالحديث في موضوعي هذا، الأنثى العربية التي لطالما حظيت باهتمامي الكبير لأن قضيتها هي قضيتي وقضيتنا كلنا. من الملفت للانتباه كمية الاهتمام الأنثوي العربي الموجه نحو المسلسلات التركية بجميع أنواعها والرومنسية خصوصا بل وإنهم قد يؤجلون أشغالهم، يزودون وقتهم ويسهرون لإكمال حلقات سلسلة رومنسية ما وهنا يطرح السؤال هل تستحق هاته المسلسلات كل هذا الاهتمام؟

أملنا اليوم، في الأنثى العربية أن ترتفع بنفسها وتستهلك ما ينفعها ويفيدها وأهم شيء أن تقتنع وتستيقظ قبل فوات الأوان لتعلم أن الإكثار من الأفلام والمسلسلات لا يسمن ولا يغني من جوع

لطالما آمنت أنه من حقوق الإنسان على نفسه تشكيل شبكة دماغية لنفسه لغربلة كل ما يمكن أن يسممه روحا وعقلا وفكرا، سموها كما تشاؤون لكنني اسميها الغربلة الفكرية. من واجبنا اليوم ومع الكم الهائل مما نستقبله من انفتاح على ثقافات مختلفة بسبب التكنولوجيا السمعية والبصرية أن نثبت أننا كشعب وكأمة عربية جديرون بالثقة أننا سنحمي أنفسنا من جميع السموم، بل أن نثبت أننا نستحق العيش في عصر تكنولوجي. إني أؤمن بقوة أن الأنثى هي سر من أسرار تقدم الأمم، الاهتمام بقضيتها، بتعليمها وبتثقيفها وتوعيتها على أمل أن تساعدنا برقي الأمة، فهل سيتحقق هذا باستهلاك المسلسلات الرومنسية صباح مساء؟

أملنا اليوم، في الأنثى العربية أن ترتفع بنفسها وتستهلك ما ينفعها ويفيدها وأهم شيء أن تقتنع وتستيقظ قبل فوات الأوان لتعلم أن الإكثار من الأفلام والمسلسلات لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن ما تراه من رومنسية يبقى افتراضيا فقط بل وألا تحاول مقارنة ما تراه مع الواقع لأن الصدمة ستكون قوية، والأخطر أن معاييرك وشروطك في الحياة الشخصية والعاطفية ترتفع لا إراديا مما قد يسقطك في أفخاخ كثيرة ولعل أخطرها فخ المقارنة وانتظار أقرب شخص يلائم معاييرك المثالية المستمدة من الأوهام.

إن الفرمطة الأنثوية الواقعة على الدماغ الأنثوي لهو موضوع يستدعي اهتمامانا اليوم لننقذ ما يمكن إنقاذه وانتشال البقايا من الوحل وإعادة إدماجهم في الواقع من خلال تغذية الدماغ والفكر بما يرتفع بالإنسان فكرا، روحا وعقلا ولن يتحقق هذا ونحن غافلون عن كمية السموم التي تصلنا، ونحن مهملون لأنفسنا هاملون لتنشئتنا أولادنا وبناتنا الذين سيكملون ما بدأناه غدا.

قد يسأل سائل ما الذي يجب فعله بالضبط لنؤمن الحماية اللازمة؟ هو سؤال لا يمكن تقديم جواب محدد عليه، ولكن ما أعرفه أننا يجب ألا نستخف بالأضرار الغير مباشرة الواقعة علينا وعلى بناتنا، أن نراقبهم، أن نتقرب منهم، أن نختار لهم بكل وعي ما داموا تحت حمايتنا وأن ننصح ما أن يبلغوا رشدهم، أن نختار كيف ننصح لا نحن بالمتشددين ولا نحن بالمستهزئين ولما لا تعليمهم أهم مبدأ "الغربلة الفكرية".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.