شعار قسم مدونات

لا كهرباء ولا بنية تحتية.. من يُخرج العراق من أزماته المتكررة؟

blogs سيول العراق

استناداً للمعطيات وتوثيقاً للأحداث الجارية تتبادر في الأذهان الكثير من الشكوك لما يدور في واقعنا الحالي، من المستفيد ومن المتضرر منه؟.. من القائم عليه ومن الذي وجهت صوبه الأهداف ليكون ضحيةً لكل ما يدور في دهاليز الغرف المظلمة؟ ولكي نشخص المأساة في دراميتها وتواصل المسرحية فصولها التالية، لا بد من تجريد الكلمات من حروفها المبهمة ومقصلتها الشائكة، فإلى الآن لم تنتفع حقول الشعير من سماد النصيحة، ولم تسطع شمس النجاة لبيان الحقيقة فوق جليد الزور والبهتان، ولم تنهض من رماد السنين طيور الفينيق التي صدقناها في خديعة الأساطير، فأي معنى لاتقاد الذهن وسط كل ذلك الذهول وتفشي الغباء.

لنا في العراق مع كل موسمٍ قصة، وقصص العراقيين في فصل الصيف معاناتهم مع انقطاع الكهرباء لساعات طويلة ونقص مياه الشرب، والدخل المحدود، وقصة موسم الشتاء مطرٌ لا يعتبروه نعمةً إنما انتقام يسخر نتائجه المسؤولون القابعون على عروش السلطة، ذلك الموسم الذي تتحول فيه شوارع وساحات مدن العراق إلى بحيرات وبرك مع نزول أول قطرات الغيث من السماء، فبعد ساعات من هطول الأمطار في العراق، تفيض الشوارع ويُعطّل الدوام الرسمي في المؤسسات والجامعات بسبب فيضان الطرق الذي يتسبب بانقطاعها، ما يضيف مزيدا من الضغط على حياة العراقيين المكتظة بالمشاكل.

بالأمس صيفاً كانت تعاني المحافظات العراقية من أزمة جفاف الأنهار، لقلة معدلات الأمطار وانخفاض مستوى التخزين المائي وإتهام دول الجوار بغلق السدود، ولا يزال يبحث السكان عن مصادر توفر لهم مياه الشرب التي يبحثون عنها ليرتووا هم وأبنائهم، وليس ببعيد عنا ما حصل جنوب العراق وفي البصرة تحديداً، تلك المدينة التي كانت من أكثر مدن المنطقة تحضراً وعلما وثقافة وانتعاش اقتصادي، كما تعتبر من أغنى المناطق لوجود الخزين النفطي العراقي في باطنها.

المحافظات المنكوبة بسبب الحرب والمتضررة كصيراً في بناها التحتية، والتي خرجت عن الخدمة بشكلٍ نهائي، تغزوها فيضانات كبيرة أدت إلى تقطيع أوصالها

واليوم تغرق مناطق العراق نتيجة الأمطار ونسبة هطولها المرتفعة، والسبب يعود لعدم قدرة الحكومة من وضع برامج وخطط واقعية لتلافي المشكلات التي قد يتسبب بها ارتفاع مستوى الأمطار في العراق، ووفقاً لجدولٍ نشرته محطة "بلاسير فيلي" ومقرها كاليفورنيا الأمريكية، ضم 15 مدينة حول العالم الأكثر هطولاً للأمطار، حلت ثلاث مدن عراقية في المراتب الخمسة عشر الأولى في تسجيل أعلى نسبة هطول للأمطار في العالم، وهي مدينة كربلاء والتي حلت في المرتبة الخامسة في هذا التصنيف تليها البصرة في المرتبة السادسة، وقضاء بيجي بمحافظة صلاح الدين في المرتبة الـ 14، بحسب التصنيف الذي نشرته المجلة.

أما العاصمة بغداد فقد شهدت خلال السنوات الماضية فيضانات كثيرة، أدت في غالبها إلى قطع الطرق وغرق كثير من الأحياء في مختلف مناطق العاصمة، الأمر الذي بات البغداديون قلقون من تكراره وبصورة أشد في الشتاء الحالي، فبغداد التي أصبحت شبيهة بمدينة البندقية الإيطالية، لكن من منظور وجانب سيء للغاية، إذ أن غالبية الشوارع في العاصمة تفيض بكميات كبيرة من مياه الأمطار ومن المياه التي تفرزها شبكات الصرف الصحي في معظم أحيائها.

أما المحافظات المنكوبة بسبب الحرب والمتضررة كصيراً في بناها التحتية، والتي خرجت عن الخدمة بشكلٍ نهائي، تغزوها فيضانات كبيرة أدت إلى تقطيع أوصالها، ومنها ما أجبر السلطات المحلية في محافظة الأنبار على إعلان تعطيل الدوام الرسمي معتبرين ذلك حلاً لمواجهة الأزمة، متجاهلين توفير الحلول والبدائل الحقيقية المناسبة، والتي يمكن العمل عليها بجهودٍ ذاتية دون الحاجة إلى أعذار الدعم وعدم توفر الأموال، فقط بالإمكان تفعيل الجهد البلدي، وإعادة تأهيل وتجهيز شبكات الصرف الصحي والمجاري، وإنشاء الطرق بصورة نظامية وليست عشوائية كما كان يحدث في السنوات السابقة.

نحتاج في العراق لمعجزات لنخرج من الأزمات التي تسببت بها الإدارات الفاشلة، والسياسات الطائشة وتسليم الأمور لغير أهلها. وليس ببعيد عن الفيضانات وسوء الخدمات، لعل ما يحدث من استهداف للسوق العراقية من خلال الحرب الغير معلنة على الثروة الحيوانية، وتحديداً الثروة السمكية، من يعتقد أن قتل الأسماك هو صدفة، أو فايروس كما يشاع من قبل المسؤولين، هو واهم، المسؤولين ومافياتهم وزعمائهم أنفسهم هم المستفيد الوحيد من هذا الأمر، وستثبت الأيام ذلك، لأنهم يريدون إلحاق استيراد السمك من دول الجوار بالمواد المستوردة الأخرى، وإفراغ العراق تماماً من أي إنتاج محلي، ليكون اعتماد السوق على المواد الاستهلاكية والغذائية من الدول المجاورة،.. هل فكرنا قليلاً لماذا اختيار هذا التوقيت بالتحديد؟.. ربما لا أحد انتبه أن اختيار التوقيت جاء لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وسقوط الأمطار التي ستؤدي إلى زيادة مناسيب المياه في الأنهار، وهذا بدوره سيعمل على انتعاش الثروة السمكية في الأنهار العراقية.

قرأت تقريراً في إحدى الصحف أن هنالك جهات سياسية تقف وراء هذا الأمر، كما صرح وزير المالية السابق ”حسن الجنابي“ ومن خلال تغريدة له على الفيس بوك قائلاً ”القضاء على الثروة السمكية في العراق وتكرار حالات التسمم في الأنهار ليست حوادث عابرة بل جرائم ولا يجب ان تمر مرور الكرام“. في إشارة منه إلى وجود أيادٍ تعمل على إبادة الأسماك بشكل كلي، وهذا يعطي إشارة واضحة إلى أن من يقف وراء ذلك هي جهات ليست اعتيادية أو ضعيفة، إنما مافيات تمتلك سلطة ونفوذ مكّنها من استغلال ذلك دون خشية أو تردد. ربما لا أحد يصدق.. لا أحد أبداً.. فبعد الماضي المُشرق جثا الخراب وأستوطن في الحاضر ولن تنأى عنه شرفات المستقبل، ولن يطوي نفسه وتنقطع خاصرته كي يهجن وقتاً مختلفاً حسب الأوهام، وبعيداً عن جذور التضرع والخضوع والضعف والقبول بالإهانة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.