شعار قسم مدونات

الأدب في الجزائر مهنة من لا مهنة له

blogs كتب

تغص الساحة الأدبية الجزائرية في وقتنا الحاضر بأسماء عديدة في الشعر والنثر، وتَقرأ يومياً عناويناً لنتاجات جديدة في مختلف الألوان والأنماط، ومن هنا أصبح الوصول للقب شاعر أو قاص أو روائيّ في الجزائر أسهل وأسرع من الوصول للقب سباك أو بنّاء أو ميكانيكي مع احترامي التام لهذه المهن الشريفة. لذلك من البديهي أن تمر أسئلة كثيرة على ذهني، منها هل تعكس كثرة الأسماء والألقاب جودة الأعمال الأدبية في الجزائر؟ وهل كثرة الإصدارات الأدبية وتنوعها ظاهرة صحية؟

في تجربتي الخاصة مع عالم القراءة عامةً والكتب الأدبية بشكل خاص، كثيراً ما زرت معارض الكتب وحضرت حفلات وتظاهرات صاخبة للبيع بالتوقيع لدواوين شعر وروايات ومجموعات قصصية، وبعد قراءتها من الألف للياء وجدت أنها لا تحمل من الأدب إلا القليل. بعض الأعمال يمكن تصنيفها رأفةً بمستوى أصحابها وما تسلل بين صفحاتها من إبداع في خانة الأدب الحقيقي، قد تُعد على أصابع اليد الواحدة، عناوين تجارية لإصدارات أضخم من مضمونها، تصطاد جيوب القراء قبل أذواقهم وعقولهم، وربما ما ساهم في تفشي هذه الظاهرة هو الفراغ الثقافي الرهيب وتحول المنظمات والجمعيات الأدبية والثقافية لدكاكين يدخلها من هب ودب.

كم من ديوان شعري لم تًقرأ منه قصيدة واحدة وصاحبه يتباهى به ويلقب بالشاعر في كل مكان يحل فيه ويرتحل، ولا يعرف أن الألقاب تكليفاً وليست تشريفاً لحاملها.

بالإضافة إلى ندرة الدراسات الأكاديمية وغياب ناقد حقيقي لا يخشى في الأدب لومة لائم، ويتعامل مع العمل الأدبي بنزاهة وموضوعية تامة، بعيداً عن الذاتية والعلاقات والحسابات الضيقة. عادةً ما تطفو للسطح في الساحة الأدبية الجزائرية ظواهر المحاباة والصداقة والمصالح المتبادلة والتي أخرجت للعلن بكتيريا تغزو الملتقيات والتظاهرات الأدبية وتنخر جسد الأدب وتتبادل الألقاب والصفات، القاص والقاصة، الشاعر والشاعرة والروائي والروائية وغيرها. كما أنها توزع مجموعة من الشهادات والأوسمة الخاوية، ويمكن القول أن جشع دور النشر الجزائرية بالإضافة إلى تردي الذوق العام وقلة محبي القراءة، حوّل الأدب إلى مهنة لمن لا مهنة له، وجعله ساحة مفتوحة الأبواب دون تأشيرة أو شروط أو جواز للمرور.

وفي ظل التهميش الممنهج الذي تعيشه المواهب الأدبية الحقيقة، أصبحت الجزائر عاقراً تبكي على أطلال أدبها ورواده، وعاجزة عن إنجاب أسماء جديدة ثقيلة الوزن والموهبة يمكنها منافسة الأسماء المشرقية وبعض الأسماء الجزائرية التي بلغت من العمر عِتيّاً وصنعها الإعلام وروج لها لغاية في نفس يعقوب. ويبقى العمل الأدبي في حاجة ماسّة لقارئ جيد وناقد أدبي جيد أيضاً حتى يخرجان منه درره الكامنة وعيوبه الخفية وليس لحفلات الهرج والمرج والنفاق والسرقات المقننة، أو ما يطلق عليها مجازا لقب حفل توقيع كتاب، فكم من كتاب وضع على الرف لينهشه الغبار ويتلقفه النسيان بعد ما وقعه صاحبه وحمله تاريخ نكسته.

كم من ديوان شعري لم تًقرأ منه قصيدة واحدة وصاحبه يتباهى به ويلقب بالشاعر في كل مكان يحل فيه ويرتحل، ولا يعرف أن الألقاب تكليفاً وليست تشريفاً لحاملها. وهنا يجب القول أن الأدب في الجزائر كغيره من القطاعات أصبح مومساً ترتمي في أحضان الرداءة، وحتى ينهض من رماد لازمه لعقود يحتاج لثورة أخلاقية وفكريه تطرد عنه نحس الإهمال وجيوشاً من المتطفلين والغرباء من رواد الدعارة الثقافية وأدب الحلزونة – على رأي الزعيم عادل إمام في فيلم مرجان أحمد مرجان. وفي الأخير يجب أن نعرف أن الأدب فن وموهبة وأخلاق أو لا يكون، والعمل الأدبي أسمى من أن نتعامل معه على أنه سِلعة تجارية تُباع حتى ولو كانت رديئة، لأنه يحمل ذكريات ومشاعر وتجارب وأرواح إنسانية تَتَجول بين ثناياه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.