شعار قسم مدونات

سجناء مصر.. كيف يستفيد السيسي من الإخوان المسلمين في تبرير الاعتقالات؟

blogs المعتقلين السياسيين بعهد السيسي

ربما لم تمتلئ سجون مصر بالمعتقلين الأبرياء مثلما امتلأت في عصر الانقلاب الثاني للعسكر في 3 يوليو 2013م، فالأعداد الصخمة التي تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من ستين ألف معتقل ومعتقلة من جميع الاتجاهات الوطنية، وإن كانت الغالبية العظمى من معتقلي الشرعية من جماعة الإخوان ومؤيديهم، غير المختفين قسريًّا، هذا غير من قُتلوا بأيدي قوات الانقلاب من الجيش والشرطة في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة وما قبلها وما بعدها وحالات الإعدام الظالمة، والتي جرى بعضها بغير انتظار لحكم محكمة النقض، في سوابق قانونية باغية سيظل التاريخ يؤرِّخ بها لإجرام العسكر وفساد القضاء على مدى الأجيال القادمة.

ولكن، بغضِّ النظر عن الواجب الوطني الحتمي بإسقاط الانقلاب فإن هناك واجبًا أشد إلحاحًا ينازعه، وأراه هو واجب الوقت حقيقة، وهو العمل على إخراج المعتقلين من أَسْرِهم لإنقاذ حيواتهم ومستقبلهم وحيوات أهليهم وأبنائهم؛ فكل معتقل ترتبط به أسرة: أب وأم وزوجة وأبناء وإخوة، توقفت حياتهم بغيابه، وارتبك نظامهم بالبحث عنه والجهد الجهيد في زيارته، غير غياب الدخل المنتظم، وكثرة المطامع فيهم، وقسوة الذئاب البشرية عليهم.

أقول: إن واجب إخراج المعتقلين ينازع واجب إسقاط الانقلاب؛ فلماذا؟ لأنه بينما يجب العمل على إسقاط الانقلاب ونظامه الظالم -وهذا يقتضي عدم التعاون أو إبرام صفقات معه- فإن إخراج المعتقلين في الظروف السياسية الداخلية والخارجية -على حد سواء- يتطلب ضرورة إبرام صفقة بين القوى السياسية الحقيقية وعلى رأسها الإخوان والنظام الانقلابي، صفقة تُقنع النظام بإخراجهم وإسقاط الأحكام الظالمة عنهم وإعادتهم لأشغالهم والتوقف عن مطاردتهم في مقابل أشياء تقدمها تلك القوى للنظام من قبيل الاعتراف به والامتناع عن منافسته في الانتخابات أو العودة للعمل السياسي، أو تأييده في خطواته السياسية بما يضمن له المشروعية السياسية التي كانت غائبة عنه وظل يستجدي القوي الدولية ويقدم التنازلات من ثروة وسيادة مصر من أجل الحصول عليها.

إن النظام مستفيد من موقف الإخوان بل ومعجب به، فهو يوفر عليه فكرة المفاوضات والمبادرات وأن يكون النظام هو الرافض حتى لا يُحرَج أمام بعض داعميه الذين ربما يريدون تهدئة الأوضاع في مصر

هذا، بينما تختلف مواقف القوى السياسية التي ينتمي إليها الشباب المعتقلون من النظام وتتباين من النقيض إلى النقيض؛ فبينما وضع النظام التيار الليبرالي والناصري والاشتراكي في جيبه منذ ما قبل الانقلاب ومراحل الإعداد له، وجنَّد رموزهم في صفوفه؛ فصاروا من حملة المباخر المبشرين بعدالة السيسي ونظامه والمبرِّرين لمظالمه، والمهاجمين لخصومه، والمؤيدين لإجراءاته غير الإنسانية ومذابحه بحق معارضيه.

 

وبالتالي، صاروا لا يبحثون عن مصلحة الشباب المنتمي لتيارهم بل بالأحرى قاموا ببيعهم من أجل مصالحهم الشخصية، نجد الإخوان -وهم أصحاب العدد الكبير من المعتقلين رجالًا ونساء، والذين ما زالوا رغم ضعفهم يمثِّلون هاجسًا له ولداعميه الإقليميين والدوليين- يرفضون التفاوض مع النظام حتى تتحقق عدة أمور، منها: عودة الرئيس مرسي للحكم ولو لفترة رمزية وإلغاء الأحكام الجائرة وإخراج المعتقلين، يعني عودة العجلة للوراء وعودة الشرعية كاملة، وهو طرح خيالي لا يتناسب مع موازين القوى ولا مع الأوضاع على الأرض حيث النظام ممكَّن والأمور مستقرة له داخليًّا وخارجيًّا، بينما الإخوان مطاردون، ولكن مع ذلك ما زال رموز الإخوان يرددون هذا الطرح ويعتبره بعضهم من المسلَّمات بل ويحكم بنفاق من لا يصدق حدوثه، وبالتالي فإن فكرة إجراء صفقة مع النظام لإخراج المعتقلين ستكون بعيدة جدًّا عن أذهانهم وربما يوصم من يدعو إليها بالخيانة، ويكتفون بتقديم مساعدات مادية شهرية لأسر المعتقلين وكأن هذا هو كل واجبهم نحو من وَثِقوا بقيادتهم.

وبطبيعة الحال، فإن النظام مستفيد من موقف الإخوان بل ومعجب به، فهو يوفر عليه فكرة المفاوضات والمبادرات وأن يكون النظام هو الرافض حتى لا يُحرَج أمام بعض داعميه الذين ربما يريدون تهدئة الأوضاع في مصر الآن أو في وقت قادم. من هنا، فإن المعتقلين الأبرياء في سجون النظام الباغي في مصر قد وقعوا بين مطرقة النظام المجرم الذي يشبعهم تعذيبًا حتى يتمنى بعضهم الموت ويُذيق أسرهم وأهليهم أهوالًا وبين سندان رموز وقادة التيارات التي ينتمون إليها والتي لا تهتم بإخراجهم وإنقاذهم سواء لتمالئهم مع النظام أو لأنهم يعيشون في غيبوبة خارج الواقع المرير. فمن لكم أيها المعتقلون غير الله العلي القدير؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.