شعار قسم مدونات

يوميات طرة.. ذكرى الثورة في عامين

blogs سجن طرة

* المكان: أمام البوابة الخارجية لمنطقة سجون طرة (ب)، طريق الأوتوستراد، المعادي، جنوب القاهرة.

ذكرى الثورة الخامسة

* الزمان: 21 يناير 2016.

"عشان احتفالات 25 فيه شوية قلق" هكذا قال لي المعاون على البوابة الرئيسة لمنطقة سجون طرة (ب) عندما سألته: "ليه قفلتو الزيارة؟ إنهاردة يوم 21 آخر يوم في الزيارة الاستثنائية لعيد الميلاد، وعايزة أزور زوجي".

 

كانت الساعة تشير إلى 11:30 صباحا حين احتشدت أعداد كبيرة من الأهالي الذين مُنعوا من الزيارة أمام البوابة الخارجية لمنطقة سجون طرة، وكان عليهم العودة من حيث أتوا ومنهم أنا.

 

قلت للمعاون: "طيب، وما المشكلة في "احتفالات" 25 وما علاقة المساجين بها أساسا؟"، ردّ: "فيه تفتيش.. مفتشين في كل سجن بيفتشوا المساجين عشان قلق 25!!"، سألني: "إنت جاية لمين وفين؟"، قلت له: "لزوجي المحبوس في سجن المزرعة"، قال: "طيب، يعني مش إخوان.. التشديد على الإخوان، اللي في العقرب لكن الكل هيتمنع".

 

مدرّعات الترحيلات مرعبة، لأنّك تشاهدها وأنت لا تعرف إن كانت فارغة أم بها بشر، وكم من البشر فيها؟ وبمَ يشعرون وهم في هذه المدرّعة الضخمة التي تعزلهم عن العالم وتحوّلهم لأشياء تُنقل من هنا وتوضع هناك؟
مدرّعات الترحيلات مرعبة، لأنّك تشاهدها وأنت لا تعرف إن كانت فارغة أم بها بشر، وكم من البشر فيها؟ وبمَ يشعرون وهم في هذه المدرّعة الضخمة التي تعزلهم عن العالم وتحوّلهم لأشياء تُنقل من هنا وتوضع هناك؟
 

الأمهات والزوجات يتوسّلن الضباط على البوابة، في محاولات منهن للدخول لأجل الزيارة، لكن دون فائدة تذكر! منظر الأمهات والزوجات وهن يتوسلن للضباط كان مؤلما. لم يردن سوى زيارة أبنائهن وأزواجهن فقط! ظللت واقفة لمدة ساعة مع الأهالي الممنوعين مثلي، ليس لأجل وجود أي أمل في السماح بالزيارة، لكن لأنه من العسير تصديق أن أعود ويعود كل هؤلاء الأهالي بخفي حنين.

 

معاون آخر للمباحث بزي مدني، كان عنصرا "متحركا" وظيفته هي إبعاد أي أحد من الأهالي من أمام البوابة الرئيسية إذا ما حاول أحدهم الاقتراب بمن فيهم النساء. كان لا يتوقف عن الصراخ و"الزعيق" في وجه الأهالي، ثم إذ به يتحول إلى "كتكوت" خائف حين يسمع كلمة "المقدم بيه فلان" أو "الرائد بيه علان".

 

عند الساعة الثانية عشر ظهرا كانت خمس مدرعات للأمن المركزي تخرج من السجن، ملصق على كل واحدة فيها "شرطة الشعب.. تحيا مصر"، كان باب آخر مدرّعة منها مفتوحا، وشبابيكها مفتوحة، وكانت ملأى بالعساكر المستعدين لحراسة المدرعات الأربعة السابقة الموصدة والملأى بالمساجين.

 

مدرّعات الترحيلات مرعبة، لأنك تشاهدها وأنت لا تعرف إن كانت فارغة أم بها بشر، وإن كان، فكم من البشر فيها؟ وبم يشعرون وهم في هذه المدرّعة الضخمة التي تعزلهم عن العالم وتحولهم لمجرد أشياء تُنقل من هنا لتوضع هناك؟

 

في نفس اليوم، قرأت منشورات لمحامين على التواصل الاجتماعي، يقولون فيها إنهم وجدوا الكثير من المعتقلين الذين تتزامن مواعيد تجديد حبسهم مع يوم 25 يناير قد نُقلوا لتجديد الحبس مبكرا، ففهمت سبب تحرك أربع مدرّعات كاملة ملأى بالمساجين، وعجبت كيف يمكن لمساجين مجردين من كل شيء  يخص إنسانيتهم أن يكونوا مصدرا للقلق يستلزم تفتيشا وتضييقا أكبر!

 

صاحبت ذكرى الثورة الخامسة في يناير 2016 دعوات للتظاهر لإحياء الذكرى، ولكن كان مصير الأمر إلقاء القبض على الكثير من أعضاء المجموعات السياسية التي عزمت على المشاركة؛ مثل أعضاء من  مجموعة 6 أبريل، وصاحب ذلك تشديد الرقابة على السجون.

 

الشعور بالملل هو ما يستولي عليّ الآن. زحام ولكن لا يوجد التوتر والتحفز الذي صاحب ذكرى الثورة الخامسة. تبدو السيطرة على الشارع منعكسة على الساحة الخارجية لسجن طرة
الشعور بالملل هو ما يستولي عليّ الآن. زحام ولكن لا يوجد التوتر والتحفز الذي صاحب ذكرى الثورة الخامسة. تبدو السيطرة على الشارع منعكسة على الساحة الخارجية لسجن طرة
 
ذكرى الثورة السابعة

الزمان: 24 يناير 2018

وصلت لمنطقة سجون طرة (ب) في الحادية عشر صباحا.. طابور طويل بانتظاري. سلّيت وقتي بالحديث لامرأة تبدو في مثل عمري، في نهاية الثلاثينيات، وكانت تقرأ كتابا. أخبرتني أن زوجها معتقل من مدينة نصر، ويُدعى "ياسين"، وهو محبوس الآن على ذمّة قضية تظاهر منذ ثلاث سنوات في ذكرى الثورة الرابعة في يناير 2015. قالت إنها ملّت من المحامين بعد أن أعطتهم الكثير، وإنها الآن عوّدت نفسها على روتين أن تأتي للزيارة وتغادر مرة في الأسبوع إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

كانت تجاورنا امرأة منتقبة رقيقة الحال جدا، قالت إنها تأتي هنا لأول مرة لأخيها المجند في الأمن الوطني في 6 أكتوبر، والمحبوس في عنبر الزراعة. وقفت في الطابور لمدة طالت حتى أُذّن للظهر. الشعور بالملل هو ما يستولي عليّ الآن، زحام ولكن لا يوجد التوتر والتحفز الذي صاحب ذكرى الثورة الخامسة. تبدو السيطرة على الشارع منعكسة على الساحة الخارجية لسجن طرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.