شعار قسم مدونات

بائع الفول الذي باعنا السعادة

بائع السعادة

موضوع مقالي اليوم اقترحه واقعي، أينما ذهبتُ أجد أغلب الناس مصابين بهذا الداء، هذا المرض البشع، يتسبب هذا الأخير في نثر الحزن والأسى أينما وجد، ألا وهو العبوس، إنه الأخطر حقا، داء اقتحم وجوه الكثير من الناس فأطفأ جمالهم. أسباب العبوس كثيرة؛ أولها كثرة المشاكل والهموم، فلنبحرْ في الأسباب. أنت مهموم وحزين وتشعر أنك اكتفيت من كل شيء ومن الجميع، انتكاسات، خيبات وكثير من الألم، وتشعر أن الجميع ضدك، ما ذنب وجهك في هذا كله؟ استعن بالله، صلّ، مارس الرياضة، سافر، اكتب، اقرأ، خذ قسطا من الراحة، ساعد محتاجا، افعل ما يريحك وما يبعث شيئا من السعادة في قلبك وروحك.

لا تحزن إن الله معنا، أليست كافية لإراحة قلبك؟ دعك من الذي جرحك وآذاك وخانك، لا تخن أنت أيضا قلبك ووجهك وتلبسه قناع الحزن البشع. إن أكبر وأبشع خيانة هي خيانة نفسك لنفسك، كيف لا وكل عضو فيك وكل جزء يعمل لإسعادك وبث الحياة فيك وأنت لا تعمل شيئا في المقابل، اعمل من أجلهم، اعمل وابتسم لأجلك. أحيانا بعد خيباتنا نحتاج فقط للاختلاء بأنفسنا، ولكن إياك من الغوص كثيرا في تحليل آرائهم، وأسبابهم، إياك والغوص كثيرا، إياك من الغرق في بحار أخطائهم، هناك شر غير مبرر، دعك منهم، انسحب بهدوء وحافظ على سلامتك وخاصة بسمتك، ابتسم فالحزن يأخذ منك أشياء ولا يأتي بشيء.

تزيد الابتسامة من نشاط الذهن ومردوده، وتقوي القدرة على تثبيت الذكريات وتوسيع ساحة الانتباه والتعمق الفكري، وبالتالي يصبح المرء أقدر على التخيل والإبداع ودقة التفكير

ديونك، مشاكل عملك لن تحل بالعبوس، ابتسم، هي حركة بسيطة لا تتعب، على قدر بساطتها يكمن جمالها. أنت أيها الذي ترفض الخروج من ظلمتك، أنت يا من عشقت حزنك وأعجبك دور الضحية، أنت يا من راق لك الإبحار في بحر الأحزان، قف بنفسك لنفسك، استمع لذلك الذي يصرخ داخلك ويستغيث، يريدك فقط أن تعيش. بالبسمة يشرق وجهك، بالبسمة تصبح أجمل، بالبسمة تُحب، يقال تكلم حتى أراك، ولك أقول ابتسم حتى نراك! 

ابتسموا جميعا وتفاءلوا خيرا، مشاكلك، مرضك، لها رب كريم، سوف تتجاوز جميعها، تذكر دائما أن كل محنة للمؤمن تليها منحة من الله، ليست كل خسارة سلبية، هناك خسارة إيجابية وبها تربح راحتك الجسدية والنفسية، "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". (البقرة 216).

إن لم تجد شيئا تفرح من أجله، أغمض عينيك دقيقتين، هل تستطيع العيش في الظلام؟ بالله عليك، أليس الإبصار نعمة وسببا يفرحك، نحن محاطون بالنعم، جسد سليم، عائلة، منزل، وظيفة. كيف تجاهلنا كل هذه النعم، كيف عمينا لهذه الدرجة؟ تزيد الابتسامة من نشاط الذهن ومردوده، وتقوي القدرة على تثبيت الذكريات وتوسيع ساحة الانتباه والتعمق الفكري، وبالتالي يصبح المرء أقدر على التخيل والإبداع ودقة التفكير، وتبعث الابتسامة فينا السعادة الداخلية وما أحوجنا لذلك. كن قويا، متفائلا ومبتسما، يقال إذا لم تجد شيئا ترقص من أجله، جد سببا للغناء، جد دائما سببا تبتسم من أجله، وإن لم تجد ابتسم لأجلك، فأنت تستحق.

لعلك شاهدت بائع الفول التونسي الذي كان نجم مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام السابقة. استغرب الجميع من طريقة عمله الطريفة، حيث يبيع الفول والابتسامة لا تفارقه، يغني، يرقص، وقد نجح فعلا في بيع الفول ونشر السعادة لكل من قابله في الشارع. ذلك الرجل البسيط رغم ظروفه الصعبة وضعف دخله اليومي، نجح في إسعاد غيره لأنه يعلم أن بسمته هي سر النجاح، فعلا نجح وكان أفضل بائع فول وحق تسميته بائع السعادة، وقدّم لنا درسا عظيما في حب الحياة، سر نجاحه هو الرضا والعمل، فتحية لك مني سيدي العظيم، شكرا لبائع السعادة. 

ما أحوجنا للابتسامة! ما أحوجنا لطبيب مبتسم، أستاذ مبتسم، سائق حافلة مبتسم، مقدم أخبار مبتسم، رجل دين مبتسم. تلاميذك سيفهمون الدرس أكثر وأنت تبتسم، علمهم كيف يبتسمون رغم كل شيء! مريضك سيشفى وسوف يساعده تبسمك على الشفاء، العبوس في وجه مريضك أقسى من المرض نفسه. ابتساماتهم أمان وجعلتني اشعر بالراحة، كلمات نطق بها فوه مريضة تروي تجربتها في مقاومة المرض، تقول إنها عندما أفاقت من الغيبوبة لم تستوعب ما حدث ولم تتعرف إلى أحد، ولكن ما جعلها تشعر بالراحة هي ابتسامة الممرضين والأطباء. كما قال فولتير: الابتسامة تذيب الجليد، تنشر الارتياح، وتبلسم الجراح، إنها مفتاح العلاقات الإنسانية الصافية.

علموا أطفالكم أن سر جمالهم مجاني، ينبع من القلب ليلمسَ القلب، اجعلوا نشر الابتسامة هدفنا وما أحوجنا إليها، ابتسم في وجه أمك صباحا، ابتسم في وجه صديقك، ابتسم في وجه الغرباء، ابتسم في وجه الجميع، ابتسم في وجه عامل النظافة وسوف تجعل يومه جميلا. فلنجعلها لغة تواصل، البسمة بالبسمة والبادي أجمل. إن زارتك سفينة الأحزان، أخبرها أنه لا مكان لها في مينائك وودعها بابتسامة، كن قويا مبتسما، لتكن بسمتك سلاحك وقوتك، أما إذا تسلل أحد ركاب السفينة لمينائك، فأجبره على جمع أمتعته واللحاق بها. الحياة جميلة وجمالها يكمن في التفاصيل الصغيرة، في النعم التي اعتدنا وجودها.

الابتسامة ليست قلة حياء وليست عورة، حان وقت إجهاض هذه الادعاءات! رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كان يعرف بالابتسامة واللين، فكيف لا نتبع خير المرسلين عليه الصلاة والسلام! ابتسم من جديد، اجعل ابتسامتك هدية توزعها على الجميع وما أجملها من هدية، هي مفتاح العبور لقلوب الناس، هي فن وعطاء، هي جمال ليس مثله جمال، هي شمس تزيل الهم والتعب عن الجميع، الابتسامة تبعث في روح المريض راحة، العدو ندما، الغريب صدقة، الصديق حبا، لنفسك قوة وأمل فما أروعها من عطاء. لذلك الابتسامة هي مورفين الأمل، الحب والشفاء، كيف لا وهي تبعث في الروح سعادة وتخفف عنا أوجاعنا، فما أروعها من مورفين مجاني.

الابتسامة دواء، علاج، جمال، أناقة، روح تضاف لروحك، الابتسامة هي كلمة بلا حروف، شعر بلا أبيات، لغة لا تستحق ترجمة وما أسماها من لغة، الابتسامة في وجه أخيك صدقة، قال صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك صدقة. فلنتبادلْ الصدقات، ابتسم ولا حاجة لك لسبب، ابتسم لأنك قريبا ستشفى، سوف تنجح، سوف تجد عملا، سوف تتجاوز كل الصعاب لأن لك ربا كريما، فكن مع الله ولا تبالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.