شعار قسم مدونات

الإعلام والفن في خدمة السياسة

مدونات - سينما
مخطئ من يظن أن الدراما خلقت لملء فراغ في الشاشة، أو لحب في إظهار نوع ما من الفنون الجديدة أو صقل براعة الفنانين في هذا المجال، وإن كنت لا أنكر كل هذه الأسباب، لكنني أظن أن الأسباب الحقيقية وراء خلق الدراما هو نشر الثقافة؛ وهذا للحق سبب مشروع حين تستحق تلك الثقافة النشر.
  
منذ مطلع الخمسينيات ظهرت على الشاشة المصرية ألوان جمة من الدراما، غير أنها بطريقة أو بأخرى هدفت لغرس قيم لا أخلاقية ولا إسلامية -بل غربية بحتة- في ضمير ونفس المشاهد العربي؛ وغرس روح الانبطاح في شخصيته والعمل كـ (لهاية) للشخصية العربية عن الأحداث العظيمة التي كانت تجري في المنطقة آنداك، وبقليل من المراقبة لهذه الشاشة المصرية في حقبة الخمسينيات على سبيل المثال نلمس المفهوم الغريب عن الشعب المصري؛ فتارة تظهر جرأة المرأة المصرية على شرب الخمور ولبس العاري أمام أعين بل وبتشجيع الأهل، وكثيرا ما استمرأ المصري -في الدراما الخمسينية- عرض ابنته وأخته بل وبرر لهما فعل الزنا بحجة الحب ولم نر -إلا ما رحم الله- في تلك الحقبة فيلما يحمل قيما إنسانية أو قيما تتكلم عن العروبة ولا حتى تذكر الحروب التي خاضها العرب، بل وحتى حين كانت تذكر كان  لابد لبحر من القبلات أن ينهمر فيها لينسيك الوقائع التي يجب أن تتذكرها.
  
ولأستدل على ذلك فإنه بإمكانك أن تسأل أي عربي عن المصرين فستلمس ظنه بأنهم لصوص، هذا ليس لأنه عايشهم بل لأن هذا ما غرسته الشاشة المصرية في نفسه، فالمصري إما سارق في الحافلة للمال أو سارق للشرف في شقة صديقه وسارق للأمانة في منصبه الحكومي أو سارق للوطن أو حتى أركوز، هكذا رسمت الشاشة المصرية أبناءها.
     

الدراما والإعلام خلقتا لنقل الواقع والتعريف بالثقافة المجتمعية، وربط الشعوب وتقريب البعيد وإرساء قواعد الأمان والمحبة والإيمان بين الكل ليصبح واحدا، وبين المجتمعات لتكون واحدة

ولو راجعنا أنفسنا قليلا عن تلك الأسباب لوجدنا أن القائمين على تلك الدراما في تلك الحقبة ليسوا من الدين ولا العروبة في شيء؛ فمنهم اليهودي والدرزي والمسيحي والمسلم بالهوية، لهذا كله كانت أفلامنا في تلك الحقبة "أبي فوق الشجرة" و"خد بالك من زيزي" وكذلك فيلم "ووقعت في بحر العسل"، والواقع السينمائي المصري الحالي لا يختلف كثيرا عن سابقه.
     
وبمقارنة موجزة مثلا مع الفن الهندي ستجد كيف يختار المخرج الهندي أخلاق الشخصيات، فهي شخصيات ملتزمة بالعادات والتقاليد والاحترام الكبير وطاعة الإله، شخصيات تعيش واقع الإنسان كإنسان نعم، لقد شذت الدراما الهندية في قتال الشوارع فالهندي قد يقضي لوحده على جيش، لكنها لم تظهر الهندي بشكل اللص ولا الفاسق ولا المرتشي، وحتى إن سألت الناس عن رأيهم بالهنود سيقولون لك يبالغون فقط، فهل ما تنقله السينما الهندية عن الهنود صحيح؟ بالطبع لا، إنها تنقل الصورة الأكثر إشراقا وتحاول بالقدر الممكن أن تعالج القضايا الاجتماعية وهذه المحاولة تشفع للأخطاء الأخرى. 
     
الأخطر من هذا كله، حين يتحول الإعلام والفن لعصا غليظة بيد الحاكم، لا لصرخة شعبية في وجهه، ولا لصوت ضمير حي، ولا لوعي حاضر، كما يجب وكما ينبغي أن يكون، فهذه هي الطامة الكبرى، فحين نجد كيف يفرق الإعلام القلوب في قضية حصار قطر بالأغاني وأشكال الفنون والإعلام الأخرى، فهذا لا يلدك على تحكم الحاكم بالإعلام فقط، بل وعلى غفلة الشعب الكبيرة. وحين تنشر صحف دولية تسريبات للمخابرات المصرية تعطي توجيهات للإعلاميين والفنانين فهذا خطير وخطير جدا، وهو نوع من التحكم بالعقل الباطن للمشاهد ليرى ما ترى الحكومة ويقول ما تقوله.

     
ما أود قوله باختصار هو أن الدراما والإعلام خلقتا لنقل صورة الواقع والتعريف بالثقافة المجتمعية، وربط الشعوب وتقريب البعيد وإرساء قواعد الأمان والمحبة والإيمان بين الكل ليصبح واحدا، وبين المجتمعات لتكون واحدة، إن الإعلام والدراما كما ينبغي أن تكون هي صوت الناس لا صوت الحكم وهي صوت الشارع ليصحح الاعوجاج وهو متنفسه الأوحد والأخير، وإن أخطأت الدراما العربية غالبا في دورها وصورت العرب على غير صورتهم وبينت أن كل معاناة الشعب العربي تتلخص في كلمة واحدة هي الحب أو الغريزة، فهذا ليس معناه أن العيب في الدراما نفسها؛ بل العيب في القائمين على الفكر والعمل الدرامي في الوسط العربي، وإنه لا مصحح لهذا الوضع إلا بثورة على هؤلاء، فإذا سقط سحرة فرعون سقط فرعون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.