شعار قسم مدونات

تيك مي أوت نقشت.. تطبيع الإباحية بثوب لبناني

مدونات - برنامج نقشت
لم يترفّع الإعلام العربي بشكل عام عن استيراد البرامج الجاهزة فكرا وقالبا من الإعلام الغربي، فانقسم الجمهور ما بين مؤيد ومعارض للبرنامج اللبناني"Take me out" أو ما يسمّى (نَقَشِت)، برنامج تخطّى كل الحدود الأخلاقية، فقد انصرم الزمن الذي كانت الأم تبحث فيه عن زوجة خلوقة لابنها، ضمن التقاليد المعهودة، والعادات المعروفة، وضمن الدين الإسلامي الذي يصرّح في الحديث النبوي الشريف، قال الرسول – صلَّى الله عليه وسلم- "فاظفر بذات الدين، تربت يداك"، وجاء الزمن الذي تتطلّع فيه المرأة إلى لقاء تعارفي مع رجل تتنافس عليه 29 امرأة أخرى، من باب التحرّر والمساواة بين الجنسين، لعلّه يكون من نصيب إحداهن.
 
يُفتتح البرنامج باستعراض 30 سيدة لأنفسهنَّ على وقع موسيقى مجلجلة، ثم يقوم مقدم البرنامج، أو ما يصفونه بلقب "عرّاب الحب"، بجولة تفقدية على المشتركات طارحا أسئلة تافهة سفيهة، تستلزم أجوبة ساقطة خادشة للحياء، معبرات عن رغباتهن، وعمّا يفتنهن في الرجل من تقاسيم عضلاته، وابتسامته، وشعره، ولون عيونه، بينما تحلم أخريات برجل يملك سيارة، وأموالا كثيرة، وقد يحضر الشيطان في تفاصيل الحوار والإيحاءات المبتذلة، ولم تفصح أي من المشتركات عن حرصها على أن يكون الرجل مثقفا، خلوقا، صادقا، 30 مشتركة لم تعرب سوى عن عينة واحدة من النساء الماديات الشهوانيّات، نساء أشبه بعارضات الأجساد، اللواتي لا يغطي أجسامهن سوى متر واحد من القماش.
 

علينا تعطيل تلك البرامج التي تقوم على ترويج القيم الاجتماعية والشرقية، مبدية مقومات التشويه والانحراف الأخلاقي، ويجب وضع البرامج على المشارح الإعلامية، وتقصّي الشكل والمضمون

غاب حديث الفكر والعقل، فكانت الشهوات والغرائز سيدة الموقف، والأكثر دهاء هو أن القائمين على البرنامج قد أطلقوا على المشتركات لقب "الجريئات" والمشترك لقب "شيخ الشباب"، لا شكّ بأنها تسميات مصطنعة تشير إلى المنحنى الهابط الذي يتخده البرنامج، وسرعان ما يبدأ الصراع الذي ينشب بين المشترك والمشتركات ما إن تطأ قدما المشترك المسرح، ومن شأن ذلك أن يحدث متعة وتشويقا للمشاهد، فتبدي المشتركات رأيهنَّ بالمشترك ما بين مناسب أو غير مناسب، فتكون الكلمة الوحيدة في المرحلة الأولى من البرنامج للنساء، فيخترنه أو يرفضنه بضغطة زر، وفي الجولة الثانية، يقوم المشترك بتفجير موهبته التي لا يتجاوز سقفها استعراض عضلاته، أو حتى الرقص أو الغناء، وفي المرحلة النهائية، ثمّة سؤال صغير عميق في سطحيته، يطرحه المشترك على المشتركات اللواتي يتسابقن لمواعدته، وعلى أساسه يحزم أمره، فيخرج معها في موعد غرامي، يتم عرضه في الحلقة المقبلة.
 
فكرة البرنامج لا تحمل مضمونا ثقافيا أو علميا، فقد بات تسليع المرأة والرجل أمرا عاديا، كما يفتقر البرنامج إلى الإبداع الفكري، ويظهر انبهاره بثقافة الغرب، بما لا يتوافق مع معايير القبول الاجتماعي، الذي يختلف باختلاف الجغرافيا والثقافة.
 
تساؤلات كثيرة تستحضر في ذهني أودّ طرحها على الإعلام اللبناني، هل هذه هي صورة الفتاة اللبنانية التي تريدون تعميمها في أرجاء المعمورة بانزلاق مبتذل. قد طال التقليد الأعمى للبرامج الغربية، وانحصرت في مضمون النصف الثاني من اليوم، وحضرت ثقافة الاستهلاك بقوة في البرامج العربية، والتي تبدأ في المظهر الخارجي والاستعراض، والتوسع في عمليات التجميل ومستحضراتها، علينا إفساد وتعطيل تلك البرامج التي تقوم على ترويج القيم الاجتماعية والشرقية، مبدية مقومات التشويه والانحراف الأخلاقي، ويجب وضع البرامج على المشارح الإعلامية، وتقصّي الشكل والمضمون، والمحظورات الاجتماعية، وعلى كل دستور عربي محاكمة وإدانة الإعلام الذي لا يخضع لسياق اجتماعي وأخلاقي وتربوي، ألا يكون منطق المال هو من يحكم طبيعة العمل الإعلامي، وأن يكون هناك حراس للبوابة الإعلامية.

فالإعلام سواء كان مقروءا، أو مسموعا، أو مرئيا، هو جزء أصيل من نسيج حياتنا المعاصرة؛ بل هو فاعل رئيسي فيها، لذلك يجب تفعيل الأخلاق في الوسط الإعلامي ضمن إطار يعمق البعد الحضاري، وعليه أن يكون صوت العقل والحكمة، ومنارة للوعي، فإذا ما تُرك الإعلام دون أخلاقيات في دائرة تخلو من القيم والضوابط التي تنظم مساره، فإنه سيكون مطية لجميع فئات المجتمع والمراحل العمرية المختلفة، وسنصبح إزاء كيانات إعلامية تفترس الأخلاق، وتدهس القيم، وتجعل مقدرات الشعوب مرهونة للانهيار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.