شعار قسم مدونات

ما أشبه الليلة بالبارحة "إسقاط الطائرة الصهيوينة"

مدونات - إسقاط الطائرة الإسرائيلية
مع تقدم القوات المصرية والسورية في حرب تشرين التحريرية عمّت الشارع العربي حالة من النشوة والإفراط في التفاؤل عشية الهجوم المصري السوري ضد الاحتلال، وفي نتائج تلك الحرب ضاع جزء من سيناء وأعاد الاحتلال سيطرته على الجولان، ثم مهدت هذه المواجهة الطريق للسلام "الاستسلام" في كامب ديفد، هذه النشوة والتفاؤل غير المحدود، سببا لنا نكسة كبيرة لما تمخض عن الحرب، وما أشبه الليلة بالبارحة!
     

لماذا نحن نقف ضد تضخيم حادثة إسقاط الطائرة؟
لا يمكننا أن ننكر أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية هو أمر خطير جدا وحدث كبير من شأنه أن يُدحرج الأمور إلى ما هو أكبر، لكن لجملة من الأسباب الموضوعية يمكننا أن نفند تطور الأمور إلى السيناريو الذي ينتظره الجيمع:
    
– الدولة السورية غير قادرة على الدخول في أي مواجهة مفتوحة نظرا لحالة التمزق الداخلي، إضافة إلى التفوق الإسرائيلي في كافة الجوانب.
– سوريا اليوم وحيدة قياسا بالحروب التاريخية، فمن سابع المستحيلات أن يتدخل السيسي بأي شكل من الأشكال لصالح سوريا إن حدثت مواجهة، وعن البقية فحدث ولا حرج في سباقهم نحو التطبيع.
– المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي بحسب تصريحاته يرفض التورط في ما هو أوسع مما جرى.
– الخطوة السورية مجرد مناورة وليست قرارا شاملا للتصدي، فقد قامت الطائرات الإسرائيلية بغارات أخرى عقب الحادثة ولم يكن هناك رد سوري.
       
أنواع الحروب مع الاحتلال وقواعد الاشتباك
   
يمكننا أن نُدرج كافة المواجهات العسكرية مع الاحتلال، منذ قيامه إلى اليوم، في قائمتين منفصلتين عن بعضهما البعض تماما في الشق العسكري، وشيئا من التقارب في الشق السياسي.

  
القائمة الأولى: المواجهات التقليدية "جيش مقابل جيش" حرب النكسة وتشرين التحريرية نموذجا على ذلك، وفي نتائج هذا النوع من المواجهات أيضا نكسات أخرى.
القائمة الثانية : حركات المقاومة والاشتباك غير التقليدي كالحروب التي جرت في غزة والجنوب اللبناني، وفي نتائجها الانتصار نظرا للقيادة السياسية التي تقود هذا النوع.
  
التجارب والواقع يقولان إن المواجهات النظامية نتائجها سلبية دائما في وقت كانت فيه الدول العربية تتمتع بالاستقرار وأقرب للوحدة مما هي عليه اليوم، وفي إطار هذه المعطيات فإن الهزيمة الأكيدة تنتظر الجيش السوري.
  

ماذا لو اجتمعت قوى المقاومة مع الجيش النظامي؟
في الآونة الأخيرة صرح الأمين العام لحزب الله عن جهوزية الحزب وبقية الجماعات المسلحة التي ترعاها إيران في العراق وغيرها للدخول في مواجهة رفقة الدولة السورية إن أرادت "اسرائيل" المجازفة والذهاب للحرب.

  

ما الذي يعنيه كسر قواعد الاشتباك؟
نظرية إسرائيل الكبرى باتت في مهب الريح، وفلسفة الإحاطة للدول العربية بدول غير عربية لتأدية الأدوار الوظيفية باتت تأخذ منحنيات غير التي خطط لها
نظرية إسرائيل الكبرى باتت في مهب الريح، وفلسفة الإحاطة للدول العربية بدول غير عربية لتأدية الأدوار الوظيفية باتت تأخذ منحنيات غير التي خطط لها
    
معنى كسر قواعد الاشتباك في الحدود السورية على نحو الذي يجري في غزة ولبنان هو بكل تأكيد مواجهة شاملة ستطال إيران على الأغلب ولن تكون فيه اسرائيل "وحيدة"، فحضور الولايات المتحدة أمر مفروغ منه، ومن الوارد جدا أن يتدخل الحلف العربي الذي يتشكل بين السعودية والاحتلال لمواجهة إيران، بحسب ما يرد على ألسنة مسؤولي البلدين، وهذا السيناريو يسمى سيناريو الرعب للجميع.

  
الكل يتهرب من الحرب "الشاملة" ولا يريدها، والتحليل العقلاني أصبح معقدا للغاية، أغلب التخطيطات الاستراتيجية سقطت، فقد بتنا أمام نظرية القوس البريطانية بلا قوس، وقد كُسرت نظرية عدم التصادم مع الدب الروسي التي كانت معتمدة من قبل الولايات المتحدة، ونظرية إسرائيل الكبرى باتت في مهب الريح، وفلسفة الإحاطة للدول العربية بدول غير عربية لتأدية الأدوار الوظيفية باتت تأخذ منحنيات غير تلك التي خطط لها.
  
بعد هذا الشرح لأهم المتغيرات الفاعلة، كيف يمكن أن نفهم ما يجري؟ معظم التحولات التي تتم في العالم اليوم من إسقاط الطائرة وملفات كوريا الشمالية وما يجري في اليمن ومحاولات الانفصال في العراق وتباين الدور التركي، ثم المصالحة بين حماس وفتح أو حماس ودحلان، وصولا إلى انفصال أوروبا وتفكك مجلس التعاون الخليجي، وما قبل ذلك وبعده على مستوى التوجهات الاقتصادية والجغرافية، تعتبر اليوم مصلحة الجهة القائمة هي ركيزة الحراك، بعيدا عن المخططات الكبرى، فهي أقرب لكونها تكتيكات عملية من كونها جزءا من خطة استراتيجية شاملة، وهذا ما حدث بالضبط مع إسقاط الطائرة الإسرائيلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.