شعار قسم مدونات

أقنعتها بأن عيد الحب أكذوبة

BLOGS الحب

ما إن أقبلت إلي الحياة، راسمة على شفاهها ابتسامة تشي بالفرح، وفي حقيبتها رزنامة امتدت يدي إليها، فطالعتني وردة حمراء فوق تاريخ الرابع عشر من فبراير، فعرفت سر ابتسامتها، أما أنا فقد خطر ببالي في تلك اللحظة الأول من شهر نيسان وطقوسه، وبعد وهلة من التفكير، طافت في مخيلتي تلك المشاعر المتدفقة التي تتم ترجمتها على صفحات مواقع التواصل في هذا اليوم، ودموع الحائرين المحزونين الذين يلعنون الحب كل حين، بعد أن هُيئ لهم أنه قد توقف عن الطواف حول قلوبهم، ولم أستبعد داخل زوايا روحي براءة صدق العاشقين في محاكم الاتهام المفرطة، أولئك الذين يستطيعون تغيير العالم متى شاؤوا بفعل قوة جذب قلوبهم التي تحاول تقريب أراضي القلوب الجدباء من المشاعر التي تعانق السماء، تلك القوة القادرة على إبطال زيف الحياة في عيون ذبلت على حين خيبة وخيبات.

لم يكن في مخيلة "الحياة" التي فاجأتني بزيارتها سوى ذلك اللون الأحمر الذي يكسو ورود الحب، ودُمى الشوق، وهدايا الحالمين، وكان في حاضر مُخيلتي اللون ذاته، ولكن على خرائط البلاد النازفة التي أُهملت ينابيع الحب فيها، بالإضافة إلى ما كان قد ترسب في وجداني من أن ذلك الميقات أكذوبة، وبأن محراب العشق لا يعرف زمنا، وأن أولئك الأشخاص يحتفلون بيوم ليس له صحة لدينا، ولكنني لم أصارحها بذلك لأن عاطفتها ربما لا تعي ما سأقوله وما سأحاول شرحه، وكعادة الحياة، ما إن أرادت شيئا تبقى ملحّة عليه داخل فكرك، متجاوزة كل الأمور في مخيلتها بفعل بحر الهوى الجارف.

أخذت الحياة تسرد لي بعض الحكايا، محاولة إقناعي بغمرة الفرح المفترضة، كيف لي أن أخبرها بأن العشاق الذين يتزوجون في الفلبين في هذا اليوم لم يأت بفعل المناسبة، وإنما إتماما لحكايات كانت قد تقاربت فيها القلوب من قبل، لا بسبب المواقيت الزمانية التي افترضوها لتتويج حبهم، كيف لي أن أخبرها بأن أولئك النساء العازبات في البرازيل اللاتي يمارسن طقوسهن بالبحث عن زوج مناسب في هذا اليوم، يفعلن هذا الأمر كل يوم جهارا في مأذن قلوبهن، وسرا أمام محاريب عيوننا، كما هي الحال في قلوب جميع البشر.

 

المشاعر قد تكون صادقة، ولكن زيف المناسبة المختَلقة باطل، فالأرض تفرش كل يوم بساطها لإقامة طقوس الحب عليها، ولكنها انشغلت بإقامة الصلاة على أموات الضمير الانساني
المشاعر قد تكون صادقة، ولكن زيف المناسبة المختَلقة باطل، فالأرض تفرش كل يوم بساطها لإقامة طقوس الحب عليها، ولكنها انشغلت بإقامة الصلاة على أموات الضمير الانساني
 

كيف لي أن أخبرها بأن العزوبية يحتفل بها لدى الكوريين، فمن أراد الفرح وإقامة أعياده سيقيمها متى ما شعر بها، ولو كان خلاف ما يشعر به مُجتمعه نحوه، وكيف أتقن صياغة حروف أقول فيها إن فنلندا جعلته عيدا للأصدقاء، فربما تكون الصداقة أكبر من الحب إن كان أبطال رواية الحب أنصاف خيارات، وأبطال رواية الصداقة قد يكونون أمثل، بحسب افتراضنا للمشهد، كيف لي أن أخبرها أن الاحتفال أسبوعا كاملا لدى الأرجنتين بتلك المناسبة، نحن أولى بأن نقيمه بداخلنا أبد الدهر إن أردنا.

 

كَيف لي أن أخبرها بأن الأفريقيات يكتبن أسماء الذين يرغبن بالارتباط بهم على أكمام قمصانهن، وبأننا ننقش على رداء الزمن أسماء شهداء الحُب والحرب لدينا، وأسماء المعاني المقدسة التي نحارب من أجلها، وننقش العشق على جدران قلوبنا نقشا، وأن هذا اليوم لدى السلوفينيين هو بداية العمل في الحقول الخضراء لديهم، هو ذاته الأمر دوما في سنابل حقولنا التي أثقلت وانتظرتنا.

 

كيف لي أن أخبرها أن المشاعر قد تكون صادقة، ولكن زيف المناسبة المختلقة باطل، وأن الأرض تفرش كل يوم بساطها لإقامة طقوس الحب عليها، لكنها انشغلت بإقامة الصلاة على أموات الضمير الإنساني الذين أماتوا أمان الحب في داخلنا، في الكثير مِن محطات حياتنا التي وعدنا فيها، وتكرموا علينا بفتات يوم، افترضوا به أننا سنمارس فيه طقوس حبنا على عجل. أطرقت الحياة لوهلة بعد أن أصغت لما قلت، وظننت في نفسي بعد ابتسامة، أني قد أقنعتها بأن عيد الحب أكذوبة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.