شعار قسم مدونات

اضطرابات أديس أبابا وتأثيرها على التوازن الإقليمي

blogs رئيس وزراء إثيوبيا

القرن الإفريقي يمر بأوقات صعبة هذه الأيام، لأنه أصبح مهما للعالم بعد أن كان مجرد منطقة فقيرة ومهملة تقاسمتها الدول الغربية بعد تمزيق الدولة العثمانية، مثلها مثل منطقة الشرق الأوسط. رغم أن الغرب قام بتفتيت القرن الإفريقي، بحيث لا يتوحد أبدا تحت الصومال (الكبير) أو أي مشروع آخر، فإنه حرص كل الحرص على إبقاء إثيوبيا موحدة، مملكة مسيحية استبدادية تحكمها أقلية الأمهرا باسم الحق الإلهي المقدس، بادعاء انتساب أباطرتها إلى نبي الله سليمان عليه السلام.

 

غير أن هذا المخطط الغربي لم يستمر طويلا، لأن التاريخ لا يقبل السكون والبقاء على وضع واحد، وهو متحرك دوما، فقد سقطت الإمبراطورية الإثيوبية على يد حفنة من الضباط الماركسيين. هذه الحركة الماركسية المتطرفة ووجهت بمقاومة إقليمية ودولية، حيث حرصت القوى الدولية على الإطاحة بالنظام الماركسي، ما أتاح الفرصة للمجموعات المعارضة والمكونات الإثيوبية التي تتلقى دعما خارجيا لمجابهة النظام الأقلي للأمهرا، وكان أكثر من استفاد من الدعم هم الثوار الإريتريون الذين استطاعوا تحرير مناطقهم، ثم سلخها من إثيوبيا قسرا، وبرضى دولي تام.

 

العالم ينظر بلا مبالاة، وإثيوبيا تسير بخطى ثابتة نحو مصير إفريقيا الوسطى ورواندا، حيث حرب أهلية دامية، والغرب هذه المرة لا يريد التدخل انتقاما من الحكومة الإثيوبية المتحالفة مع الصين

وكذلك استطاع تحالف المعارضة إسقاط نظام منجستو الماركسي في التسعينيات والإتيان بنظام هجين مختلط من عدة قوميات يضم التقراي والأورومو وآخرين، ولم تعد الأمهرا هي المجموعة المهيمنة على الحكم في إثيوبيا. غير أن الثوار اختلفوا مع بعضهم وانتصرت مجموعة التقراي على المجموعات الأخرى، وفرضت نفسها رغم أنها تمثل أقلية، لكنها استطاعت تقديم نفسها للغرب بوصفها وكيلا لمحاربة الإرهاب (العدو الذي يكرهه الغرب)، ما فتح الباب أمامها لتلقي دعم كبير.

 

ورغم أن الحزب الحاكم في إثيوبيا استطاع تحقيق إنجازات مهولة، إلا أنها لم تستطع إعطاءه صك الشرعية الذي يحتاجه داخليا، وإن كان على المستوى الخارجي حصل على كل الشرعية، فقد استطاع النظام الإثيوبي جعل إثيوبيا هي الدولة القائدة لكل إقليم شرق إفريقيا، وضم كل الأفارقة تحت لوائها، وجعل أديس أبابا عاصمة الأفارقة.

 

وكجزء من ضريبة معدلات النمو الكبيرة والاقتصاد الرأسمالي، بدأت الاحتجاجات الاجتماعية تتزايد ضد النظام، خصوصا من قبل الأورومو التي تحتوي مناطقهم على أخصب مناطق إثيوبيا وأغناها بالثروات، والذين كانوا يرون في الاستثمارات التي يجلبها النظام محاولة لسرقة خيراتهم.

 

سد النهضة كان نقطة تحول في عمر النظام الإثيوبي، رغم أنه جاء لمنح النظام كل الشرعية وتحقيق مشروع قومي يلتف حوله الإثيوبيون، إلا أنه منح المعارضين فرصة كبرى لاستثمارها بوضع يدهم مع المتضررين من السد، والذين كانوا مستعدين للتآمر معهم. جلب سد النهضة للنظام الإثيوبي العداء وللمعارضين الدعم، كذلك جلب لها صداقة بعض القوى الدولية والإقليمية الصاعدة على المستوى الدولي.

 

احتجاجات المعارضة في الأسبوع الماضي أسقطت الحكومة الإثيوبية، وأجبرت ديليسين على الاستقالة، لكن لا يمكن القول إنها استطاعت إسقاط النظام، فلا تزال المكونات الأمنية والعسكرية ملتفة حول النظام
احتجاجات المعارضة في الأسبوع الماضي أسقطت الحكومة الإثيوبية، وأجبرت ديليسين على الاستقالة، لكن لا يمكن القول إنها استطاعت إسقاط النظام، فلا تزال المكونات الأمنية والعسكرية ملتفة حول النظام
 

اليوم، إثيوبيا مهددة بأن تخسر كيانها الحالي كليا، لا أن تفقد إقليما واحدا مثلما كان الحال أيام منجستو، فالنظام الحالي يخشى الفناء فعلا، والمعارضة اتجهت للخيار الوحشي منذ مدة بإحراق ممتلكات التقراي في مناطق الأورومو ونهبها، بعد أن استيأست من استجابة الحكومة لمطالب المعارضة بالرحيل، ولا أعتقد أن الأقليات الإثيوبية سوف تقبل بحكم الأرومو لإثيوبيا لوحدهم كما تطمح المعارضة، فالأوغادين يريدون الاستقلال، وبنو شنقول يشاركونهم نفس الرغبة، والخيار الكارثي للأمهرا هو أن يحكم الأورومو بأغلبيتهم العددية، ما يعني انتهاء أحلامهم تماما بالعودة إلى التحكم في إثيوبيا.

 

يمكننا القول إن احتجاجات المعارضة في الأسبوع الماضي أسقطت الحكومة الإثيوبية وأجبرت ديليسين على الاستقالة، لكن لا يمكن القول إنها استطاعت إسقاط النظام، فلا تزال المكونات الأمنية والعسكرية ملتفة حول النظام، بالإضافة إلى بعض الحلفاء من القوميات الأخرى. هناك خطر حقيقي تسير إليه إثيوبيا هو خطر الحرب الأهلية، وربما لن تكون حربا أهلية بين التقراي والأورومو فقط كما يظن البعض، بل سوف تكون أقرب للحرب الأهلية اليوغسلافية، وهي حرب الجميع ضد الجميع، وبرهان ذلك ما نراه من التوترات بين الأورومو وصوماليي الأوغادين من جهة أخرى، وهذا التوتر يمكن -لا قدر الله- أن يزيل الحدود بين الدولتين لتدخل عناصر منضبطة وأخرى قد تكون متفلتة.

 

العالم ينظر بلا مبالاة، وإثيوبيا تسير بخطى ثابتة نحو مصير إفريقيا الوسطى ورواندا، حيث حرب أهلية دامية، والغرب هذه المرة لا يريد التدخل انتقاما من الحكومة الإثيوبية المتحالفة مع الصين، والتي منحتها أكثر الثروات الطبيعية، ومصر الجريحة من سد النهضة لن تتدخل، والسودان مشغول بمشاكله الداخلية، والجميع يمرر الكارثة وكأنهم ينظرون إلى ساعاتهم انتظارا لمصارعة الثيران. هل ينتظر العالم ظهور تنظيم حركة الشباب المجاهدين في إثيوبيا ليتحرك لاحتواء الأوضاع أم ماذا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.