شعار قسم مدونات

آدم وحواءات.. لغة عيون

blogs لغة العيون

في الطريق إلى بيتنا هناك درج، نحن نقطن في الطابق الثاني للأسف، فوقنا تسكن عائلة العم رشيق، صاحب المخبز، وأولاده الأربعة، إنهم يأكلون الكثير من الخبز.. وأصوات خطواتهم فوقنا تذكرني بالأصوات التي تصدرها أمي عندما تضرب السجّاد بالعصا حتى تنظفه من الغبار.

 

الدّرج! الدرج المؤدي إلى بيتنا كريه، أحب أن أعد الدرجات ولكنني لا أحصل على نفس النتيجة مرتين متتاليتين، وأسماء تقول بأنني أنا الذي لا أجيد العد، لأن الأعداد معها دائما تتشابه.. أسماء لا تكذب. عندما وصلنا إلى باب البيت أخبرت أسماء بأن جارتنا فريدة طلبت من أمي أن ترسل أسماء إليها. جارتنا فريدة، فريدة من نوعها كما تقول أسماء، أنا لا أحبها كثيرا.. لا أحبها أبدا.. لأنها عندما تسلم علي يجب أن تقبّلني على كل خدٍّ قبلتين، وفي كل مرة يجب أن أغسل وجهي بعد تحيّتها هذه.. لأنها تضع أحمر شفاه فاقع، أمي عندما تقبلني لا تترك أثرا على وجنتي لأنها لا تضع أحمر شفاه، كما أنها لا تضع شفتيها على وجهي! لكن تلك المرأة.. أولادها المساكين.

 

– لماذا؟

– تقول بأن ابنها مريض.

– وإذا؟؟

– أنت تدرسين الطبّ أليس كذلك؟

– يا إلـــــــــهي!

 

أمي تزرع الكثير من الأعشاب على الشرفة، الكثير الكثير، وجارتنا فريدة تطلب من أمي دائما أن ترسل لها شيئا منها، بيتنا يشبه بيت العمة فريدة تماما، لديها شرفة هي أيضا، ولكنها لا تزرع فيها شيئا

أخرجت المفتاح من حقيبتها لتفتح الباب ولكنها كانت غاضبة، فأسقطته.. نظرت إلي.. لم أفهم ماذا تريد.

 

– لماذا تنظرين إليّ هكذا؟!

– التَقِطه!

– آآآه..

– لم يكن من المفترض أن أضطر إلى طلب ذلك منك.

 

لم أفهم ماذا قصَدتْ، بَدَتْ مُستاءة.. لا أعرف من ماذا.. ولا أعرف كيف لي أن أفهم ماذا تريد وهي تنظر إلي دون أن تتكلم هكذا.. ربما عندما أكبر سأفهم.. أو ربما يجب أن أتخلص من كتبها.

 

فتحت أسماء الباب، ودخلنا إلى المنزل حيث وجدنا أمي تجلس على مقعدها في غرفة المعيشة، تطرز أحد مفارشها، أمي تحب مفارشها كثيرا، وأنا أحبها أيضا في كل مرة تضيف إليها جزءا جديدا، في إحدى المرّات كنا نتناول الغداء على الطاولة، واكتشفت أمي ونحن جالسون أن هناك وردة ناقصة في مُطرزتها، طبعا اضطررت أنا وأسماء إلى أن نحول ركبنا إلى طاولات طعام مؤقتة ذلك اليوم، ولكن أمي كانت في مهمة لا بد أن تنهيها.. أمي غريبة أيضا، ولكن ليست غريبة كأسماء، أمي لا تشبه أحدا. قبّلت أسماء رأس أمي كعادتها، وقبّلته أنا بعدها، ثم جلَسَتْ أمامها على الأريكة.

 

– أمي..

– ماذا تريد جارتنا فريدة؟

– ابنها..

– مريض.. نعم عرفت ذلك، ما به؟

 

نظرت أمي إلي عندها.. لم تقل شيئا.. وأنا لم أفهم شيئا.. ليست أسماء وحدها من تجيد لغة العيون هذه.

 

– مشاكل في الهضم..

– تحديدا؟؟

– إسهال.. تقول بأنها تفضل أن تلقي عليه نظرة أنتِ بدلا من أن تأخذه إلى الطبيب.

– بل لا تريد أن تأخذه إلى الطبيب! أنا لستُ طبيبة! كم مرة يجب أن أعيد وأكرر.. أنا لست طبيبة! ليس بعد! وأشك أنني سأبقى على قيد الحياة حتى أتحول إلى واحدة!

– هوني عليك، ليس الأمر بهذا السوء، اذهبي إليها وقولي لها بأنك لم تستطيعي أن تعرفي ما مشكلته وستأخذه هي إلى الطبيب رغما عنها.

– في المرّة الأخيرة التي طلبت مني فيها ذلك تقيّأت عليّ ابنتها! هذه المرّة إسهال.. لن أذهب!

– آدم!

– نعم.

– اذهب وقل لها..

(أسماء لا تكذب..)

– قل لها أسماء تقول لك بأنها لا تستطيع.

– وإن سألتني لماذا؟

– قل لها.. لا أعرف!

– من لا يعرف؟ أنا لا أعرف أم أنت لا تعرفين؟

– أنت لا تعرف.

 

لماذا تُكلمني بهذه الطريقة؟ من المفترض أنني ذاهب الآن بسببها، هي التي لا تريد الذهاب إلى بيت العمة فريدة.. كان يجدر بي أن أرفض
لماذا تُكلمني بهذه الطريقة؟ من المفترض أنني ذاهب الآن بسببها، هي التي لا تريد الذهاب إلى بيت العمة فريدة.. كان يجدر بي أن أرفض
 

قالت ذلك بصوت هادئ وابتسامة مريبة.. كانت تبدو مخيفة حقا.. كساحرة!

 

– آدم..

– نعم أمي؟

– لفَّ بعضا من أوراق النعناع من على الشرفة في ورقة جريدة وخذها معك لعمتك فريدة.

– حاضر.

 

لففت أوراق النعناع في ورقة جريدة، وحملتها تحت إبطي كما يفعل العم قديم.. أمي تزرع الكثير من الأعشاب على الشرفة، الكثير الكثير، وجارتنا فريدة تطلب من أمي دائما أن ترسل لها شيئا منها، بيتنا يشبه بيت العمة فريدة تماما، لديها شرفة هي أيضا، ولكنها لا تزرع فيها شيئا، على شرفتها طاولة ومقاعد تجلس هي وزوجة العم رشيق عليها لشرب القهوة والحديث..

 

– آدم!

– نعم؟

– يا مُقرف!

– ماذا!

– أخرج النعناع من هناك!

– العم قديم يحمل الجريدة هكذا..

– عندما تكون فارغة!

 

لماذا تُكلمني بهذه الطريقة؟ من المفترض أنني ذاهب الآن بسببها، هي التي لا تريد الذهاب إلى بيت العمة فريدة.. كان يجدر بي أن أرفض.. ربما يجب أن أصاب بذلك الإسهال حتى تتوقف عن التحدث إلي!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.