شعار قسم مدونات

توت عنخ أمون.. والمصير المجهول!

blogs توت عنخ أمون

منذ اكتشاف مقبرته عام 1922 على يد الإنجليزي كارتر، ما تعرضت مقتنيات توت عنخ آمون لمثل ما تتعرض له الآن من انتهاكات تنذر بمصير مجهول، فالمقتنيات التي تجاوزت خمسة آلاف قطعة أثرية متنوعة ما بين أقنعة وقلادات ذهبية، وأسرة جنائزية؛ وكراس ملكية مغطاة برقائق الذهب المرصعة، ومقتنيات معيشية من أواني الطعام والمأكولات، وأدوات عسكرية من عجلات حربية ودروع عسكرية؛ وتمائم وجعارين وتماثيل منقوشة بأفضل الزخارف وغيرها، وبعد أن ظلت محتفظة بهذه المقتنيات التي كانت سببا في شهرة ذلك الملك الشاب الذي مات ولم يتجاوز العشرين من عمره.

بعد كل هذا التاريخ العريق لمقتنيات هذه المقبرة التي بلغت شهرتها الآفاق، والتي لم يسبقها أو يليها اكتشاف مقبرة مكتملة بمثل ما اكتشفت به، وبعد كل هذا يفاجئنا حكم العسكر -الذي نعيشه منذ هذا الانقلاب الغاشم الذي أذاق مصر وأهلها الأمرين- بهذه الاستهانة بتاريخنا العريق الذي كنا وما زلنا نفتخر به بين الأمم. وها هم أتباع العسكر من وزراء ومسؤولين يخرجوا علينا لُيعلنوا صراحة أنهم قاموا بهذه الاتفاقية التي اشتملت على عرض 166 قطعة أثرية من مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون؛ من أجل مصلحة مصر.

بالرغم من أن هذه الاتفاقية لم تكن مع حكومة أو متحف رسمي بل هي مع شركة خاصة؛ وهي شركة المعارض الدولية "EI" والمجموعة الدولية للإدارة العالمية "IMG" بأميركا، وقد سبق لهذه الشركة أن نظمت لنا معرضا من قبل يحتوي على آثار الأسرة الـ 18، وخلال هذا المعرض تمت سرقة إحدى القطع الأثرية المعروضة. وها هو وزير الآثار يقول إن المعرض سيستمر لمدة خمس سنوات، ثم تنشر الوزارة مذكرة تفسيرية رسمية تقول إن المعرض سيستمر لسبع سنوات اعتبارا من 2018 وحتى نهاية 2024. 

نحن لسنا ضد المعارض إطلاقا ولكن لتكن تلك المعارض مع مؤسسات دولية رسمية، وأن تكون بأسعار مناسبة، ولفترات قصيرة، وبعقود واضحة
نحن لسنا ضد المعارض إطلاقا ولكن لتكن تلك المعارض مع مؤسسات دولية رسمية، وأن تكون بأسعار مناسبة، ولفترات قصيرة، وبعقود واضحة
 

كما قال الوزير خالد عناني -الذي أشفق عليه وهو الأستاذ الجامعي بأن يكون تابعا لحكم العسكر- إن القيمة التأمينية للمعرض وصلت 15 مليار جنيه وهي قيمة غير مسبوقة، أي ما يقرب من 862 مليونا و800 ألف دولار … والوزير يعتبر أن هذا المبلغ كاف لتأمين هذه القطع الذهبية! يقول وزير الآثار، إن بعض من يهاجمون تنظيم المعارض بالخارج لهم أغراض أخرى، أيُ أغراض لنا يا دكتور خالد غير مصر، لقد انتقلت عدوى العسكر إليك.. فكل من يخالفكم هو خائن وله أغراض أخرى!

نحن لسنا ضد تعريف العالم بآثار مصر، لكن ليست بهذه الكيفية يا دكتور خالد.. إن الدول تقوم بعمل نماذج لآثارها في معارض الخارج حتى تكون سببا في جلب السائحين من الخارج لبلادهم وليس العكس مثلما تفعلون! أما تعلم يا د. خالد أن متحف بوسطن بأميركا قد ظفر منذ أكثر من قرن من الزمان بتمثال من الشست للملك منقرع وزوجته وهو تمثال يمتاز بالدقة المتناهية ويُعتبر من أهم قطع الآثار الفرعونية التي تعود لعصر الدولة القديمة، وأن المتحف المصري يعرض على زواره الآن نسخة مقلدة من هذا التمثال.

يقولون لتحسين صورة مصر في الخارج، وسيغطى على الصورة التي يريد الجميع تصديرها بأن مصر غير مستقرة أمنيا.. وهذا دليل كاف بأنهم على وعي بالصورة التي وصلت لها مصرنا الحبيبة في ظل حكمهم.. لكن كيف سيُعلن المعرض أن مصر مستقرة والمعرض خارج مصر يا وزير الآثار؟!

يقول الوزير بدأ العرض المادي بمبلغ 2 مليون دولار، ولجنة المعارض نجحت في رفع المبلغ لـ 50 مليون دولار، ويبرر على أنه سعر كبير بقوله؛ إن عائد المتحف المصري بالتحرير عام 2017، نحو 30 مليون جنيه، أي نحو 2 مليون دولار، فيما ستجلب الـ 166 قطعة ضمن المعرض 10 ملايين دولار سنويا، وكأن وزير الآثار لا يعلم بأن جناح الآثار المصرية بمتحف اللوفر بباريس يجلب أضعاف أضعاف زوار متحف التحرير، وهذا يدعونا لأن نبحث عن الأسباب الحقيقية وراء انهيار السياحة. نحن لسنا ضد المعارض إطلاقا ولكن لتكن تلك المعارض مع مؤسسات دولية رسمية، وأن تكون بأسعار مناسبة، ولفترات قصيرة، وبعقود واضحة، أما الأهم فهي أن تكون لنسخ مقلدة أو لقطع مكررة ولا تكون للقطع النادرة أو السهل تقليدها. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.