شعار قسم مدونات

ضحايا السلطة الرابعة في اليمن

blogs المعتقلين الصحفيين باليمن

في 9 يونيو/حزيران 2015 تعرض زميلي هشام طرموم للاختطاف على أيدي الحوثيين في العاصمة صنعاء رفقة 8 آخرين من الأسرة الصحفية بينما كان يؤدي دوره المهني في تغطية الأحداث التي عصفت بالعاصمة حينذاك، ولفقت له مجموعة من التهم هو وزملاؤه ليظلوا جميعا خلف قضبان مسعور حتى لحظة كتابة هذه السطور.

لم يكن هشام قائدا عسكريا، ولا صلة له بالجاسوسية أو التخابر مع قوى أجنبية معادية، فما الذي دفع سجانيه للإبقاء عليه في غياهب السجن طوال هذه الفترة دون جريرة تستدعي هذا الكم من الحقد على شاب يتقد حماسا للإسهام في بناء بلده؟!

كان هشام عنصرا فاعلا في الأنشطة الطلابية في حرم جامعة صنعاء، ومتحدثا لبقا تطرب لخطبه مسامع الجميع، ولديه من الوطنية ما يكفي لدحض كل التهم الكيدية التي وجهت إليه من قبل مختطفيه.. يختزل في شخصيته الريفية معان سامية ملؤها الكفاح والرزانة وحب الخير للآخرين من بني جلدته، تميزه ابتسامته النقية التي يوزعها على خصومه ومحبيه، ناهيك عن كونه شابا اجتماعيا ضليعا في كسب القلوب وبناء العلاقات الطيبة مع كل من يلتقيه أو يجالسه.

هشام ورفاقه لم يدانوا بأي جريمة ولم يتم الكشف عن أسباب اعتقالهم؛ عدا تسريبات عن تهم كيدية تتداولها الألسن في العاصمة دون رسمية، ولم يقدموا لمحاكمة عادلة وفق المعايير القانونية والدولية

لم تشفع له طيبته ولا دماثة أخلاقه لدى الجناة فاقتادوه إلى السجن وأغدقوا عليه العداوة والبغضاء وحملوه وزر حماقاتهم السياسية ضد كل خصومهم في الداخل والخارج، حملوه وزر نكساتهم في التعامل مع بقية مكونات الوطن، وكأنه هو من جلب تحالف الأعراب ليقصف مدن البلاد.. لا ليس هشام من جلب العدوان الخارجي، ولم تكن له يد في قتل حسين الحوثي يوم ذاك، ولم يحمل السلاح يوما ضد أحد، جريرته الوحيدة أنه صحفي حر في وطن زاخر بالقمع والتعسف، ومنح لقلمه العنان في مقارعة القبح والتزييف وظل ينتقد ويعارض السلطة بسلميته التي جبل عليها منذ النشأة.

عام ثالث أقبل على هشام وهو خلف القضبان يدفع من جسده النحيل وروحه النقية ضريبة السلام والتعايش اللذين ينشدهما غالبية اليمنيين، عام ثالث وهشام بعيد عن والدة مسنة تكالب عليها الهم والمرض والحنين إلى فلذة كبدها، وخطيبة تكابد آلام الوله لفراق مبكر حال بينها وبين فارس أحلامها قبل أن يتمكنا من ولوج عالم الزوجية بفصوله الشيقة.. كتب عليهما الشوق والحنين واستيطان محطة الانتظار بأنين غائر.

المثير للتعجب أن هشام ورفاقه لم يدانوا بأي جريمة ولم يتم الكشف عن أسباب اعتقالهم؛ عدا تسريبات عن تهم كيدية تتداولها الألسن في العاصمة دون رسمية، ولم يقدموا لمحاكمة عادلة وفق المعايير القانونية والدولية، ويجد أهاليهم صعوبة في الوصول إليهم، ليظلوا رهن الاعتقال حتى إشعار آخر.

حال صديقي هشام ورفاقه المعتقلين ليست سوى واحدة من الحالات التي تعكس درجة التضييق على حرية التعبير والصحافة في وطني، وتبين بجلاء حجم الانهيار في المنظومتين القيمية والإنسانية ليس في اليمن وحسب؛ بل في مختلف مناطق الصراع في الشرق الأوسط الضرير.

مآس جمة يواجهها الإعلاميون في اليمن، فقد طالت نيران الصراع الكثير من الإعلاميين وغيبتهم عن الحياة وهم في مقتبل أعمارهم؛ كمحمد شمسان الذي استشهد إثر غارة جوية سافرة على مقر عمله في بداية العاصفة، ومنهم من تعرض للتنكيل في السجون كحال صديقي هشام ورفاقه، ومنهم من ضاقت عليه البلاد بما رحبت فقرر الهجرة إلى الخارج بحثا عن الحياة الكريمة التي حرم منها في وطنه الجريح.

الصحفي هشام طرموم (مواقع التواصل)
الصحفي هشام طرموم (مواقع التواصل)

لدي إيمان مطلق بأن سلمية هشام ورفاقه عصية على الانكسار، وسينالون حريتهم عاجلا أم آجلا كونهم أبرياء من كل التهم الموجهة إليهم، ولكن إلى أن تحين تلك اللحظة التي نتضور شوقا إليها؛ يبقى هناك تساؤل مشروع مفاده: من الذي سيعوضهم عن الضرر الجسدي والنفسي الذي لحق بهم طوال فترة الاعتقال ظلما وبهتانا؟

في الواقع لا أحد في البلاد يكترث لما يجري للصحفيين، ولا أحد سيعيرهم أدنى اعتبار فهم واحدة من الفئات التي كتب عليها حمل أوزار الخلافات السياسية والمذهبية والثقافية بين القوى المتصارعة في البلاد، ورغم ذلك لم نعد نهتم بالتعويضات عن أوجاعنا كإعلاميين، كل الذي يهمنا الآن هو خروج زملائنا بسلام من المعتقلات، وسنكون كرماء مع الجناة بأن نمد لهم يد العفو، ونصفح عما ارتكبوه بحقنا الإنساني والمهني لعل ضمائرهم تصحو فيكفّرون عن كل ما ارتكبوه في حقنا وحق الوطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.