شعار قسم مدونات

لماذا تكرهون السياسة؟

blogs السياسة

إن أردت أن تفتعِل شجارا شوارعيا ينتهي بالعنف والتكسير، فتكلّم عن السياسة والشخصيات البارزة في التلفزيون، تتابعها الغالبية بانتباه وتُراقب كلّ التفاصيل، الوعود المنطوق بها، البرامج القادمة، الاتفاقيات المبرمة، الأموال المستثمرة (في الحقيقة مهرّبة، أو ممنوحة لجهات مشكوك فيها، أو موزّعة كميراث على أفراد العائلة ليعيشوا في رفاهية في الخارج)، وأكثر ما يجذب نظر بعض الشباب المُهتم بالأوضاع السياسية اليوم هو ثمن البذلة التي يرتديها الرجل السياسي.

للأسف هي الحقيقة، فهكذا تُفتح الحوارات، في البداية تكون بالتهريج وتقليد المُتحدّث، فترتفع الضحكات والمشاغبات، لكن حينما يتكلم آخر بالعكس ويبدأ في تحليل الوضع وأن ذلك قد يدور في صالح الشعب تنقلب الطاولات وتبدأ المشاحنات، وهنا نضع احتمالين:

الأوّل: أن ذاك المغضوب عليه في التجمعات الشوارعية إمّا أن يكون شخصا متفائلا بالقادم، ويأخذ بفكرة إتاحة الفرصة، ومنح الوقت الكافي لرجال السياسة كي يقدّموا برامجهم، وبعد مدة معينة يُصدر حكمه بأنه الشخص المناسب في المكان المناسب أو العكس.

الكثير من الأحزاب التي تطالب بضرورة المشاركة السياسية لا تزيد عن كوْنها أحزابا استغلالية، تلعب على أعصاب العاطلين وتستغل مدى شعبية الشباب من أجل الحصول على مقاعد في البرلمان

الثاني: أنّ ذاك المغضوب عليه "شيَّات" تابع لحزب معين أو جمعية ما، ويعمل على حشر أنفه في التجمعات الشعبية في المقاهي والأرصفة، وحتى مع الشباب البطال المستند على الحائط كما يقال بالدارجة الجزائرية "حيطيست"، من أجل تتبّع الأخبار وإقناع البعض بالتصويت لفلان وعلان وكما يُقال "يطيّب خبزتو" أي "يطبخ خبزته".

لكن مع مثل هؤلاء الشباب المتعبين نفسيا لا مكان للنقاش، ففي حال تبيّن لهم أنّك مبعوث مشكوك في أمره تبدأ المشاحنات ويتجمّع المهموم بالمغموم وتبدأ المعارك الطاحنة لأن رائحة السياسة مكروهة، وكلّ سياسي منبوذ إلى حين نفيه أو زجّه في السجن، حينها تقام "الزرائد" ويُرشح أحد منهم نفسه وتصوّت عليه عشيرته وأصدقاؤه، لكنّ العشيرة الأخرى تبدأ بأعمال التجسس وتضع لها مُترشحا، وهنا نفهم بأن السياسة عندنا مزاج ومُعاندة وكما يُقال: "عاند ولا تحسد".

الآن؛ لماذا يكره الشعب السياسة يا تُرى؟ وهو يُمارسها بكل استبداد حينما يُفتح له المجال، وهل يا ترى السياسة استغلال، نهب، فساد، وتغيير للبذلات حسب المناسبات؟

1- السياسة طموح شعبي

للأسف الشارع يحمل الكثير من الأفكار السيئة، و"البطالين" كُثر منتشرون في كل الأزقة وتحت كل العمارات، لو تمّ وضعهم ككاميرات مراقبة أمنية تراقب الداخل والخارج؛ لنقصت نسبة البطالة، "كلّ عاطل عن العمل يضع السياسة هدفا له، وكأن الأمر شربة ماء، نعم أقولها؛ فالكثير من الأحزاب التي تطالب بضرورة المشاركة السياسية لا تزيد عن كونها أحزابا استغلالية، تلعب على أعصاب العاطلين عن العمل، تدعوهم إلى جلسة غداء أو قهوة مسائية، أو سهرة لاحتساء الشاي وقرمشة المُكسّرات، تضع لهم برامج وهمية، تأخذ منهم شخصا أو اثنين، تضع لهما بطاقة عليها صورة وسطر مكتوب فيه عضو مساعد، أو عضو مرشّح، تستغل مدى شعبية الشباب من أجل الحصول على مقاعد في البرلمان".

الجميع يكره السياسة ويرى فيها خرابا واستهلاكا إجراميا للموارد والعقول، لكن كلّ ذلك تمويه وإخفاء للرغبات المكبوتة داخل كلّ طامح إلى السلطة
الجميع يكره السياسة ويرى فيها خرابا واستهلاكا إجراميا للموارد والعقول، لكن كلّ ذلك تمويه وإخفاء للرغبات المكبوتة داخل كلّ طامح إلى السلطة
 
2- السياسة لعبة قذرة

هذه الأعمال القذرة منتشرة، نراها أثناء الحملات الانتخابية، ثم يقع اللوم على السياسة، فقط لو نتأمّل ما ذنب السياسة؟! هي مصطلح بريء في معناه، لكن العاملين به شوهوه، وأصلا لا ينبغي وصفهم برجال السياسة أو القادة، وهم عاجزون عن قيادة حملة انتخابية نظيفة شريفة لها أبعاد إنسانية وبرامج تنموية إصلاحية، هُم طاعون تفشى في المجتمع، وزاد السياسة وسخا، وأدخل الأمور في بعضها، لذا أصبحت السياسة ملعونة، وكلّ من اختار الخوض فيها بنيّة حسنة سيلفه الاتهام ويدخل سجن الظنون.

3- السياسة ممكنة للجميع

نعم؛ يعاني المجتمع من داء الانفصام، فأن تكره شيئا ثم تدخل حربا من أجل الحصول عليه، فتلك مراوغة ومؤامرة لا تليق إلا بصناع قرار محترفين: "الجميع يكره السياسة ويرى فيها خرابا واستهلاكا إجراميا للموارد والعقول، لكن كل ذلك تمويه وإخفاء للرغبات المكبوتة داخل كل طامح إلى السلطة، وبالتالي تبقى تلك الكراهية سلعة يُروّج لها في الشوارع وبين أسوار البيوت من أجل كسر الروتين والحديث فقط، فالجميع لا يكرهون السياسة لمعناها لأنهم لا يفهمون ما المراد منها؛ لكنهم يكرهون مُمارسيها، وهنا لا نستطيع أن نلومهم فقد فتحوا أعينهم على تلك الصورة وشبوا وشابوا عليها، وستستمر الكراهية ذاتها ما دام رجال السياسة بعيدين كل البعد عن السياسة، وقريبين كل القرب من الخداع والنهب والتسلط".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.