شعار قسم مدونات

سلاح اللاجئين الذي خسرته الثورة السورية

مدونات - لاجئة
تفطنت باكستان منذ بداية الحرب الأفغانية لسلاح اللاجئين فلم تعتبرهم ضيوفا كما فعلت تركيا مع اللاجئين السوريين، على الرغم من تشاطرهم دينا ولغة وعرقية واحدة مع إخوانهم الباكستانيين على الضفة الأخرى من خط ديوراند الذي رسمه البريطاني مورتيمر ديوراند عام 1893. فقد أدركت باكستان مبكرا أهمية هذه القنبلة الموقوتة بوجه المجتمع الدولي، ولم تجعلها بحضنها، ولعل تفطنها المبكر هذا يعود إلى خبرتها السابقة منذ طوفان مشرديها إبان تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، فحصل تبادل لاجئين ومشردين بين الهند وباكستان قدر ربما بالملايين، وواصلت خبرتها المتراكمة مع هذه الظاهرة خلال أيام انفصال بنغلاديش عنها عام 1971، واسترشادها أيضا بالقرار الأممي 194 بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، وبالتالي غدت هذه العودة مسؤولية دولية وليست مسؤولية عربية، وهو القرار الذي لا يزال مثار جدل في كل المفاوضات العربية الفلسطينية، وأسّ الصراع والخلاف الحالي في الجولات التفاوضية..

 
ما زلت أتذكر تماما تضمين باكستان كل القرارات أو الاتفاقيات الأممية التي شاركت فيها، وتحديدا اتفاقية جنيف المعنية بالقضية الأفغانية، بندا مهما لا تحيد عنه؛ وهو عودة اللاجئين الأفغان بالعزة والكرامة إلى أرضهم، وهو ما يتضمن دون أدنى شك رحيل النظام الشيوعي الأفغاني، فهذه العزة والكرامة لا يمكن أن تكون مكفولة دون إزالة السبب الذي من أجله رحلوا ونزحوا عن بلادهم، وبهذا حجزت باكستان مقعدا مهما للاجئين في الحل الأفغاني، وجعلتهم هم من يقرر مستقبل أفغانستان كلها. أما في الحالة السورية اليوم فنرى أن اللاجئين في تركيا اعتبروا ضيوفا، وبالتالي لا حق لهم، فضلا أن يكون قد تم تضمين سبب هجرتهم في الاتفاقيات الدولية، ومفاوضات جنيف والأستانة وسوتشي والرياض وغيرها، فليس هناك ضمان لعودتهم بعد إزالة السبب الذي تسبب في اقتلاعهم من أرضهم، بل على العكس؛ الكل يدعو لانتخابات، ما يعني حصولها بعيدا عن ملايين المشردين واللاجئين، مما يعني أن المحكومين من قبل العصابة هم من سيقررون مستقبل سوريا..
 
في عالم السياسة ليس هناك عواطف ولا مجاملات، هناك حق وواجب، وهذا الحق والواجب هو ما تسعى إلى تحقيقه الدول، وبالتالي فوصف اللاجئين السوريين بالضيوف ربما يسعد البعض، وكرم وشهامة من الجيران الأتراك الذين وقفوا مع الثورة السورية وقدموا الكثير، ولكن حق الضيافة ثلاثة أيام كما يقال، وما زاد فهو مسؤولية دولية تعارف عليها البشر، ومثل هذه المسؤولية تضمن حق الضيف أكثر مما تضمن حق المضيف وهو الأخ والجار التركي، كما رأينا في الحالة الفلسطينية والأفغانية..
  

لم يتقدم المجتمع الدولي صوب اللاجئين ولم يتحمل مسؤولياته إن كان في لبنان أو في الأردن أو في تركيا، وأول المسؤوليات هي إزالة الأسباب التي بسببها هاجروا وغادروا واقتلعوا من أرضهم
لم يتقدم المجتمع الدولي صوب اللاجئين ولم يتحمل مسؤولياته إن كان في لبنان أو في الأردن أو في تركيا، وأول المسؤوليات هي إزالة الأسباب التي بسببها هاجروا وغادروا واقتلعوا من أرضهم
 

للأسف، لم تستفد المعارضة السورية من قنبلة اللاجئين السوريين، بحيث دفعت مسؤوليتها إلى المجتمع الدولي خدمة وإيواء وتعليما والوثائق التي تثبت أنهم لاجئون كما حصل بالفلسطينيين والأفغان، وهو ما جعل السوريين عرضة لنهب عصابات طائفية أسدية تسترزق على ما تبقى من رزق لدى هؤلاء النازحين فتمصه مقابل منحهم جوازا أو وثيقة سفر بالأصح لعامين فقط، أي إنه ثلث المواطنين ممن يعيشون تحت إرهابها وإجرامها..
 
المجتمع الدولي بالمقابل لم يتقدم صوب اللاجئين، ولم يتحمل مسؤولياته إن كان في لبنان أو في الأردن أو في تركيا فضلا عن الواقع داخل سوريا، وأول المسؤوليات هي إزالة الأسباب التي بسببها هاجروا وغادروا واقتلعوا من أرضهم، بل صمت هذا المجتمع الدولي على احتلال بأبعاده المتعددة، وعلى إحلال حثالات طائفية محل من اقتلعهم تحت سمع وبصر الأمم المتحدة، بل وبتشجيع منها وإشراف منها كما رأينا في اقتلاع الحماصنة وأهالي الزبداني وداريا وغيرهم كثير..
 
إن قنبلة اللاجئين والمشردين بوجه دول المنطقة والعالم كله، ليست حدثا سوريا، وإنما حدث عالمي وإنساني بامتياز، ومن يقف معهم إنما يقف مع الإنسانية التي تجمعنا جميعا، وعلى المعارضة السورية والدول المضيفة للاجئين السوريين الدعوة إلى مؤتمر دولي تضع من خلاله الدول والمنظمات الدولية كافة أمام مسؤولياتها، فثمة شعب تجري إبادته واقتلاعه من أرضه، وأي دولة مجاورة لا تستطيع تحمل تلك المسؤوليات الخطيرة، فهي أكبر منها جميعا، ما دامت دول كبرى وصغرى داخلة بغطاء أممي نظرا لامتلاك دولة محتلة بحجم روسيا وكذلك الصين حق الفيتو على أي قرار لا يعجبهم في سوريا..
 
فباكستان لا تزال تُذكر حتى الآن المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه هؤلاء النازحين المشردين، وتذكره أيضا بمسؤوليته في قتال الشيوعية وما بعدها، وبالتالي لا يزال أمام مسؤولية أخلاقية بمعالجة تبعاتها، ونفس الأمر ينطبق على الدول كلها التي ادّعت يوما صداقتها للشعب السوري وثورته بأنهم كلهم طالبوا بإسقاط النظام السوري، وبالتالي شجعوا علنا وضمنا على هذه الهجرة، وبالتالي عليهم مسؤولية تحمل نتائج مواقفهم تلك سياسيا وأخلاقيا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.